للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اتفاقهم، وإنْ قصُرت المدّة، فلا بدّ في أن يسمّى خيربك بالسلطان، كيف وقد جلس مكان السّجّان باتفاق جماعة، وفعل معه ما يُفعل مع السلطان، وعلى هذا قيل له "سلطان ليلة" حتى عُرف بذلك بعد ذلك إلى يومنا هذا، وحينئذٍ لا بدْع في أن يقال: وُلّي في هذه السنة خمسة (١) من السلاطين لسلطنة الأشرف قايتباي على ما سنذكره.

ولما كانت هذه الكائنة العظمى والداهية الطمّاء كان بُردُبك هجين الأميراخور الكبير بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني، واستحسّ بهذه الكائنة في بدايتها، فأخذ في نقل تعلّقاته وأثاثه شيئًا فشيئًا من قبل المغرب.

وشاهدنا الكثير مما ينقل من قماشه وأثاثه وهم نازلون به من قبل المغرب، وتم على ذلك غاية من الليل، حتى بلغه ما وقع بعد العشاء، فلم يكذّب الخبر، ونزل من ساعته من باب السلسلة، وبعث إلى الأتابك قايتباي من يُعلمه بالكائنة ليلًا، فركب الأتابك من داره في الحال حين بلغه الخبر، وجمع جمعًا وافرًا من خُشداشه وأصحابه، ومن انضمّ عليه من طائفتي الأشرفية البرسبائية والإينالية، وكانوا قد تعئأوا وتهيّأوا لذلك من النهار، لأمارات كانت قد ظهرت لهم، دالّة على وقوع حادثة في الليلة (٢) هذه. وكانت الأشرفية من الإينالية قد كثروا بالقاهرة، بل والبَرْسْبائية، فإنهم جاؤوا (٣) من النفي بعد سلطنة تمربُغا، لكنه لم يلتفت إليهم ذلك الالتفات، فبقي في نفوسهم منه شيء (٤)، فيقال: إنهم قرّروا مع قايتباي في هذه الليلة أن يسلطنوه، وأنه تمنّع من ذلك، وقال لهم: أنا ما أقوم إلّا بنصرة خُشداشي، يُشير إلى الظاهر تمربُغا.

ويقال: إنه إنما قال ذلك ظاهرًا، وأنه باطَنَهم على سلطنته بعد بلوغه ما وقع لتمربُغا، وأن الأشرفية قالوا له: أنت منّا وأنت مشير (٥) لأستاذنا ولا غيره لسرير الظاهر لك، ونحن وإيّاك شيء واحد، وما الغرض إلّا أن نسلطنك، ونلقّبك بالأشرف، ولا غرض لنا عند الظاهرية، فلنكن نحن وإيّاهم شيئًا واحدًا، وكذا قال له الإينالية أيضًا، وانه مال إلى مقالتهم، بل كانوا هم السبب الأعظم في ذلك. وكان منهم جماعة من المشهورين منهم هم القائمون بهذا الأمر، منهم قانصوه الأحمدي الخسيف، وتَنِبَك قَرا، وقان بردي، وآخرون (٦) لا يُحصون، وعدّة من


(١) في الأصل: "خمس".
(٢) في الأصل: "اليلة".
(٣) في الأصل: "جاوا".
(٤) في الأصل: "شيئًا".
(٥) في الأصل: "مشيرًا" وقد كتبت: "مشترا".
(٦) في الأصل: "وآخرين".

<<  <  ج: ص:  >  >>