للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: إلى أين؟

فأشاروا إلى المخبأة التي تحت مقعد الخرجة.

فيقال: إنه أراد أن يمتنع من نزوله إليها، فخشي الإخراق به، فأجاب إلى ما سألوه، وقام من وقته ذلك معهم، وتوجّهوا به إليها، فأنزلوه بها من الطابقة، وأنزلوا معه بعض مماليك، فطلب بعضهم منهم شيئًا من الفرش لأجل السلطان، فرموا إليه طرّاحة ومقعدًا من الذين (١) بالخرجة، ففرشوا للسلطان مكانًا مرتفعًا عليهم، وأجلسوه به.

أخبرني بعضر من كان مع السلطان من خاصكيّته في ثلك الكائنة، قال: لما أنزل السلطان إلى هذه الخزانة المخبأة بقينا في حيرة، كيف نجلس ونحن في حياء منه إنْ ساويناه في الجلوس، فوجدت تختًا بعْلبكيّا في قطْنية، وهو جديد مخزوم، وهو في هيئة المصطبة المرتفعة التي يجلس بها الإنسان المنفرد مستريحًا وحده، فعدت إلى الطرّاحة وفرشتها عليه، ثم بسطت المقعد فوقها، وجلس السلطان على تخت مرتفع عنّا، وأعجبه ذلك في هذه الحالة، وكوني تنبّهت لذلك.

قال: ثم لم يستقر بنا الجلوس إلّا وقد فُتحت الطابقة، وأنزل إلينا الأمراء الذين كانوا قد أخرجوا من الخرجة، واحداً بعد واحد، حتى تكاملوا عندنا، وكانوا بعد إخراجهم من الخرجة قبضوا عليهم، ثم أتوا بهم إلينا، ولما استمر إنزالهم طبّقوا علينا الطابقة، ثم أخذوا فيما بينهم بعد أن أووا السلطان ومن ( … ) (٢) التكلّم في سلطنة خيربك، وتناولوا سيف الملك الذي يقال له النمجاة (٣)، وكذا ترس الملك، فناولوهما لخيربك إشارة إلى سلطنته، ثم أجلسوه مكان جلوس السلطان. ويقال: إنهم قبّلوا الأرض بين يديه، وصرّحوا بسلطنته، ولقّبوه بالعادل. ويقال: إنّما لقّبه بالعادل مؤذّن القلعة بمنارة الجامع الناصري في تلك الليلة، فإنه حين الدعاء للسلطان على العادة تحيّر فماذا يقول، فأجرى اللَّه تعالى على لسانه أنْ قال: اللهمّ انصر عبدك السلطان الملك العادل.

ويقال: إن جانِبك قلقسيز عيّن في هذه الليلة للأتابكية من خيربك، وأحمد بن العَيني لإمرة سلاح، وأنهما قبّلا الأرض بين يدي خيربك، وفعلا معه كما يُفعل مع السلاطين، وعلى كل تقدير فقد ترشّح للسلطنة في هذه الليلة، بل وإن شئت فقُل قد تسلطن فيها، فإنها بمبايعته طائفة كبيرة، وجمع جمّ، أو


(١) الصواب: من الذي.
(٢) كلمة ممسوحة.
(٣) النمجاة= النمجة= النمشاه: سيف لطيف خاص بالملك أو السلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>