للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طائل، وعاد إلى القاهرة وقد زادت شهرته على ما كانت وضخم، ثم أضاف إلى طبلخاناته طبلخاناة أخرى، وصيّره من مقدَّمي الألوف في ربيع الآخر سنة ثمانٍ وستين، على ما عرفت ذلك، ولعلّ ذلك من النوادر، بل بين تأميره وعشر (١) وسلطنته عشر (٢) سنين كما قد عرفت ذلك، أيضًا مما بيّنّاه. ودام على التقدمة (بقية) (٣) مدّة الظاهرة خُشقدم، وكان قبل ذلك. قد ساق المحمل معلّمًا للرمّاحة، واخترع في معلّميّته تقبيل الأرض للسلطان حين اللعب، وصار ذلك من الأنداب المضافة إلى سَوْق المحمل.

ثم لما جرت كائنة قتل جانِبَك نائب جُدّة، وقبض الظاهر خُشقدم عقيبها على جماعة من الظاهرية بعد مُدَيدة، منهم الأتابك أُزْبَك، وآخرون (٤) على ما تقدّم في محلّه، وأراد مماليك الظاهر الوثوب عليه، واضطر [أن] بعث إلى صاحب الترجمة ليلًا بطلبه مع جماعة من أصحابه وخُشداشيه، ليدركه بآلة السلاح قبل أن تشرع مماليكه في أمر، ويتّسع الخرق، فحضر إليه بنيّة صادقة، وطلع إليه بذلك الجمع من باب السلسلة، على ما تقدّم خبر ذلك فيما مرّ، وبيّنّاه على أتمّ وجه وأحسنه. ومن تلك الليلة زاد مقام صاحب الترجمة عند الظاهر خُشقدم زيادة على ما كان عليه، وأحبّه، وصار كثير الركون إليه. ولم يزل على ذلك حتى مات الظاهر خُشقدم، وقام بالأمر من بعده الظاهر يَلباي، فرقّاه إلى الرأس نوبة الكبرى، عِوَضًا عن أُزْبَك الأتابك الآن لما نُقل منها إلى نيابة الشام، عِوضًا عن بُردُبك البَجْمَقْدار، بحكم القبض عليه عند سِوار، ولم تطُل مدّته في هذه الوظيفة حتى تسلطن الظاهر تمربُغا، فولّاه الأتابكية عِوضًا عن نفسه، على ما مرّ بيان ذلك، نقلًا إليها من الرأس نوبة، وعُدّت من نوادره.

ثم لما وقع ما ذكرناه من فتنة خيربك عقد له الملك على ما أوضحنا، لكن نيابة باتفاق العسكر والأكابر والأعيان من الأمراء وأرباب الدولة على ذلك، ودام بالقصر آمِرًا ناهيًا، ثم أخذ في أسباب ما هو بصدده، وأخرج تمربُغا إلى ثغر دمياط بعد أن أكرمه وأجلَّه، ثم اعتذر إليه في ليلة خروجه، بل وأهوى إلى يده ليقبّلها وهو سلطان، وذاك مخلوع، وذلك من كثرة أدبه وحشمته. وسنذكر ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى عند ذكرنا إخراج تمربُغا.

ولما مَلَك وتمكّن ساس الأمور بنباهة وشهامة وصرامة وعظمة ومَهَابة، وأُبَّهة


(١) و (٢) في الأصل: "عشرة" في الموضعين.
(٣) كتبت فوق السطر.
(٤) في الأصل: "واخرين".

<<  <  ج: ص:  >  >>