للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إشاعة فاشية، زيادة على ما يدخل إليه من الهدايا والتقادم والرِشى وغير ذلك، ومع ذلك كله فبلغ السلطان عنه أنه ماذا فعله معه السلطان، وماذا الذي هو فيه، وأنه أهلٌ لأنْ (١) يفعل معه أضعاف ذلك مُضاعفة، وأن ذلك كلّه قليل في حقه، وأنه له الأيادي على السلطان والجميلة والمانة تفوق ما له هو عليه، لأنه هو الذي علّمه وأدّبه وهذّبه، وعلّمه المناسك حين حج، وأنه ربّما كان سببًا لسلطنته، وأنه اختار له طالعًا سعيدًا يوم تسلطن، وأنه يردّه عن أشياء كثيرة من مظالم العباد، إلى غير ذلك من كلمات وأشياء لا تصدر عمّن له أدنى مسألة (٢) في العقل، كل ذلك لطيشه وخفّته وحدّة مزاجه، مع ذمامة هيئته، ودناءة أصله، فإنه من فلّاحي بلاد الكرَك في الأصل، وكان والده قدم القاهرة شابًا حدثًا، فخدم بعض ( … ) (٣) بعض القرّاء وعلّمه القرآن، فكان ذلك سببًا بعد ذلك في كونه اتصل ببعض الأمراء، حتى وصل ولده بعد ذلك إلى ما وصل، وصار يتزايا مع دعواه بأنه من كبار العلماء، وأنه صار شيخ الشيوخ بزيّ غير أهل خرقته التي يدّعيها من لبسه الحنيني المشفر بالألوان، واستعمال الشدّ بالحبكة الفضّة الصامت، والدواة المحلّاة بالفضة، والجلوس على الحرير، ولبس الثياب المختصّ (٤) بالأتراك في بعض ثيابه التحاتي، بل والفواقا (٥) حين جلوسه، والتعميم بالملف بالحاشية والحبكة بالشناشل والشنانيل في أطرافه، إلى غير ذلك.

وبالجملة فكان ولم يزل من مساوئ الدهر، وباللَّه العجب كيف كان يقع في مثل هذه الأمور مع مثل هذا السلطان، وهو يعلم ويتحقّق منه أنه دائمًا يتفحّص عن أحوال الناس، لا سيما أحوال مثله، وكان هو في الغالب ينقل إليه ما هم الناس فيه بزيادات يكذب فيها، لأجل أغراض له فاسدة، واتفق له وقائع مع أناس متعدّدة، أسفر فيها عن قلّة مروءة زائدة، لو عددناها لطال المجال واتسع المقال.

وقد عرفتَ ما ذكرناه من الكائنة معه لأهل الخانقاة الشيخونية، فقِس على ذلك. وآل به الأمر بعد هدم داره أنْ قام عليه بعضٌ ممن أخذ منهم الرشى على أمور لطول الشرح في ذكرها، لا وجود لها، ليأخذ عليها، بل أخذ ذلك بإيهامه لمن أخذ منه شيئًا، وتفتّحت عليه الأبواب. وآل به الأمر بعد هذا أيضًا أن ادُّعي عليه بقتيل، فأمر السلطان القاضي الشافعي أن ينظر في ذلك، فأُحضر إليه موكَّلًا به إلى مجلس الشافعي بالسابقية، وصولح أولياء القتيل وكتب بينهم مبارأة وحكم


(١) في الأصل: "لئن".
(٢) في الأصل: "مسلة".
(٣) كلمه غير مفهومة "حمر".
(٤) الصواب: "الخاصّة".
(٥) الفواقا: أي الفوقانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>