للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تولّيه السلطنة في شهر رجب سنة ٨٧٢ هـ. مع أنه توفي أواخر سنة ٩٠١ هـ. فقد ظهر لنا أنّ مؤرّخنا "عبد الباسط" -رحمه الله- ما إنْ يذكر أحدهم أثناء "متجدّدات الحوادث" حتى يُظْهِر سعة اطّلاعه، وضخامة المخزون المتجمّع لديه عن ذلك الشخص، مهما كانت وظيفته أو وضعه، فينقضّ كالباشق على فريسته، ويعرّف القارئ به بترجمة مفيدة، وإن كانت في غير موضعها، وكأنه يسابق القدر، ويريد أن يُفرِغ ما في جُعبته من معلومات قبل أن يُعاجله الموت، أو يفقد ذاكرته، أو يضيّع ما علّقه في أوراقه. فهو -كما مرّ في سيرته- صاحب عِلَل وأسقام، يعتريه المرض من حين لآخر، وهو انْتَابَتْه نزعةٌ إلى التصوّف، وزهد في الكتابة، وغسل كُتُبه وأوراقه وتعاليقه، وضيّع الكثير منها، ولما عاد إلى كتابة التواريخ بعد نحو عشرين عامًا لم يكن لديه سوى الاعتماد على ذاكرته، فلم تُسعِفه إلّا بالقليل، ولولا ذلك لأَتْحَفَنا وأتْحف المكتبة بمعلومات غنيّة تفوق ما وصَلَنَا من نتاجه وعطائه.

وبما أنه كان يتقن التركية، بحكم ولادته في مدينة مَلَطْية التركية، ونشأته هناك، فقد أراد أن يُظْهر معرفته بهذه اللغة وامتلاكه لناصيتها عن طريق التعريف بأسماء الأعلام من الأتراك، والمعنى المرادف لها باللغة العربية، مثل مَن اسمه: "تَنِبَك" أو "جانَم" أو "طَيْبُغا" وغيره.

وكان له رأيه في مُجْريات الأحداث في أيامه، مُعْتَدًّا بنفسه، فهو يعلّق، ويحلّل، ويناقش، وينقُد، ويستشرف قادمات الأمور، ويتوقّعها بحَدْسه، ولا يُخْفي موقفه من بيان تغيّر أحوال بعض من كان وضيعًا لا وزْن له في المجتمع، وكيف صاروا من الأكابر ويؤخذ برأيهم وهم ليسوا أهلًا لذلك. بل يحرّكه الأمر لتفيض قريحته بأبيات من الشعر (١) تعبيرًا عن إحساسه بسوء الأوضاع الاجتماعية.

وهو لا يتحرّج من القول إنه لا يعرف تاريخ مولد فلان، أو أيّ شيء من أحواله، وإذا نقل معلومة عن أحدهم يصرّح باسمه، ومن ذلك قوله عندما ذكر "أحمد بن أحمد العمري المكّي": إن "السخاوي" ذكره بنحو ما ذكرناه وبه اقتدينا، ولم أقف على شيء من أحواله لأذكره (٢). وعندما ذكر القاضي "محمد البُصرَوي" قال: لم أقف على تاريخ مولده ولم يذكره أحد لأذكره (٣). ولما ذكر ترجمة "محمد بن أحمد القاهري" في وَفَيات سنة ٨٦٨ هـ. قال: لا علم عندي بشيء من حاله غير ما ذكرت (٤).


(١) الروض الباسم، ١/ ٢٥ ب.
(٢) الروض الباسم، ١/ ٥٠ أ.
(٣) الروض الباسم، ١/ ٦٢ ب.
(٤) الروض الباسم، ٢/ ٧١ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>