للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحلبية، وكان قد عادى الكثير من الملوك، لا سيما حسن بن قرايُلُك، وجرت له معه خطوب كبيرة وحروب كثيرة، وقصده غير ما مرة، وآل الأمر بأخرة أنْ قصد حسن المذكور بعساكره في هذه السنة، ثم لم يحصل منه على طائل، ووقع الوباء والغلاء بعسكره، فأمره برحيل عائدًا، فرحل جلّ عسكره، وبقي هو بمكان أعجبه، فأقام فيه للشرب ومعه جماعة من أمرائه وقوّاته، فقط نحو الألف وخمسمائة فارس، بعد أن لم يبق من عسكره غيرهم إلّا رحلوا، ووصل خبره مع بعض جواسيس حسن، فبدَرَ بأن بعث إليه ابنه محمد بك جريدة، وسار هو في إثره، وأسرعوا في ذلك، وهم نحو الأربعة آلاف فيما بلغني. ويقال بل كانوا أول ممن كان مع جهان شاه، فأدركوه وهو نازل سكران ثمل، طافح سُكرًا هو وأمراؤه، و مسكه له على ما شُهر، وكان وصول عسكر حسن إليه ليلًا، فلما قربوا منه دقّوا طبوله، ثم أحاطوا به من سائر جهاته وأولئك على عدّة وفي غفلة، فما استفاق منهم من استفاق إلّا والسيف عمّال فيهم، وتعاضد حسن وابنه، والتحم القتال، وكُسر جهان شاه أفحش كسرة على أقبح وجه، وقُتل جهان شاه المذكور، ولم يُشعَر به قاتله وانهزم من طال عُمُره، بل ما سلم إلّا القليل. وقُتل ولده محمد أيضًا، وأُخذ ولده العلّامة الفاضل يوسف مأسورًا، ثم سُملت عينه، ثم علم حسن بعد ذلك بقتل جِهان شاه، فيقال: إن إنسانًا من أوباش عسكر حسن قبض عليه في الهَرَجة، فصار يقول له: لا تقتلني أنا جهان شاه، وقال له: تكذِب، وما التفت إليه لعبارته، بل سلبه ما عليه، ثم حزّ رأسه وعلّقها في قَرَبوص سَرْجه، على ما جرت به العادة هناك، أنه إذا وقع القتال وقُتل علّق كل إنسان من العسكر رأسًا معه، إيذانًا بشطارته، وأنه ممن قتل حتى يرى الملك ذلك، فكان هذا أهم عرض قاتل جهان شاه، وكان ذلك ليلًا، ولما عاد حسن عن مكان المعركة للنزول بمكان بقيّة ليلته عاد عسكره معه، ومنهم قاتل جهان شاه، فاتفق أن سقطت منه الرأس وهو لا يشعر بها، فلما أصبح أشيع قتل جهان شاه، فتفحّص حسن على ذلك حتى وُجدت ببابه مع قاتله، فعرف أنه قتل لما سأل منه غير صاحبها فقال: قتلته وكانت رأسه معه فسقطت نفسي، فأمر حسن بأن يتتبّع خبره ذلك الرجل، فوُجدت الرأس، ويقال: بل قُتل. ثم لما أحسّ حسن بقتله بعث من يتفحّص عنه في القتلى، فوُجد ميتًا من جراحات به، فحُمل كما هو إليه وحُزّت رأسه بعد ذلك، ثم بعث بها إلى القاهرة، وهذا والأول أقرب ما قيل في ذلك.

ويقال: إن جهان شاه قاتل بنفسه وهو صاح مستفيق على نفسه، عازمًا على الرحيل من المكان الذي كان به، وإنّما دَهَمَه حسن ليلًا، فما أمكنه إلّا مقابلته،

<<  <  ج: ص:  >  >>