للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ألف دينار في الشهر، بزيادة بعض دنانير أيضاً أيضاً على ذلك، وهذا شيء كثير جدًّا أضعافاً مضاعفة عمّا كان في الأزمان الماضية، ولا بقي بهذا، لا ديوان السلطان ولا غيره مما يضاف إليه، وهذا مما يوجب ظلم العباد وخراب البلاد، بل وغضب الرب، ومما يوجب قلق الأستادارية، بل والسلاطين.

ثم أخذ في أثناء بعد أن تكلّم بكلام كثير يُظهر التبرّم مما هو فيه من المُلك والسلطنة، بل وصرّح بدعائه على نفسه ويطلب الموت، بل ودعا على من كان السبب في دخوله في هذا الأمر، وأنه جاءه على غير مقصده ومراده، وأن هذا الحال لا يفي بسداد هذه الأمور إن بقينا على ما هي عليه، وإن كان غير ذلك يُنسب السلطان إلى الظلم والجور وقطع الرزق. ثم أخذ يُظهر أنه يريد أن يخلع نفسه من المُلك، ثم قال لهم أجمعين: اختاروا من بينكم من تقدّموه لهذا الأمر، وأنه هو لا قدرة له على سداد الأمر على هذا الوجه إلّا بظلم وعسف كبير لا ضرورة له إليه، وأنه عاجز عن حمل هذا المال لأربابه، وعن دفعه لهم في كل شهر، ومن حسب هذا المقال وأشباهه شيء كثير (١). فأجابه بعض القضاة بأن الظلم لا يجوز في مِلّة من المِلل، ولقد أجاد في ذلك وعن الحق ما حاد، فإنه توسّم في السلطان، وتفرّس منه التطّلع لأخذ أموال الناس وقطع أرزاقهم، ومدّ يده لأوقافهم، لا سيما والإرجاف عمّال بذلك قبل ذلك في كل قليل. ووجد هذا القائل فرصة للقول ومندوحة من مقتضى كلام السلطان، فأنطقه به. ثم قال له آخر من القضاة أو العلماء: السلطان له النظر العام في المصالح بنظر من يستحق فيبقيه، ومن لا يستحق فمن الديوان يمحيه (٢)، وهذا الكلام فيه الميل الظاهر، إن كان حقاً في نفس الأمر، ومقيّد بالنظر في المصالح، لكنه لا يقال سأل هؤلاء لما هو ظاهر. ثم انفضّ المجلس بعد طول زائدٍ على غير طائل. وقام السلطان فجلس على الدكّة، وجلس الدوادار الكبير ومباشرو (٣) الدولة وكتّاب المماليك، والمقدّم أيضاً ونائبه على البساط بين أيادي السلطان. وحضر أيضاً العَلَم شاكر بن الجَيْعان (٤)


(١) في الأصل: "شيئاً كثيراً".
(٢) الصواب: "يمحوه ".
(٣) في الأصل: "مباشروا".
(٤) هو شاكر بن عبد الغني بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب، المعروف بابن الجيعان. توفي سنة ٨٨٢ هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام ٣/ ٨٨١، ٨٨٢ و ٨٨٨ رقم ٢٠٢٧، والضوء اللامع ٣/ ٢٩١، ٢٩٢ رقم ١١١٧، والذيل التام ٢/ ٣١٠، ٣١١، وكتاب في التاريخ، مجهول المؤلف (مخطوط) ورقة ١٣٤ ب (حوادث سنة ٨٧٨ هـ.) والمنجم في المعجم ١٢٤، ١٢٥ رقم ٥٧، ونظم العقيان ١١٨ رقم ٨٩، ونيل الأمل ٧/ ١٩٢ رقم ٣٥٦٨، وبدائع الزهور ٣/ ١٣٣، وشذرات الذهب ٧/ ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>