قاضي القضاة المعروف بابن حُرَيز (١)، وهو محرز، وتصغيره على هذه الصيغة بخلاف القياس، وهو الذي به شُهر بنو حُرَيز. وجدّه الأعلى أبو القاسم هو الطهطائي، الوليّ المعروف المشهور بالكرامات، وحُرَيز هو صاحب الرباط بمنفلوط الذي به أولاد حُرَيز الآن.
ولد السراج هذا بمنفلوط في سنة تسع عشرة وثمانمائة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، ثم حفظ "الرسالة" و"المُلحة"، وجوّد القرآن على الشهاب الطهطائي، ثم اشتغل فأخذ بالقاهرة عن جماعة منهم الشيخ طاهر وغيره، وشارك أخاه في بعض مشايخه الذين سنذكرهم في ترجمته، وسمع الحديث على جماعة وأسمعه، وناب في الحكم عن البُلقيني وغيره من غير مذهبه، ثم عن الوليّ السُنْباطي المالكي، وحج، وتعانى الدَولبة في الأقصاب كأخيه، وهو على ذلك ليومنا هذا، وكتب على الفتوى، مع تديّن وأمانة وشدّة ويبْس وتصلّب، وهو حسن المعاملة، جيّدها، مع صدق اللهجة. ولما وُلّي القضاء الأكبر حُمدت سيرته فيه، وشُكرت قضاياه، وضخُم في كثير من الأحكام، وحصل عليه كثير من المِحَن بسبب ديون على أخيه، وتوكل به من بيت الدوادار الكبير يشبُك من مهدي، وكان يغُضّ منه ومن أخيه لغرضٍ ما، لا سيما لما كان كاشفاً بالوجه القِبلي، ووكّل به من بيت الدوادار الثاني تَنِبَك قَرا أيضاً، وبقي تَنِبَك يحطّ عليه لما يعلم من غضّ صاحبه يشبُك منه، بل ولعلّه كان السبب الأعظم في صرفه عن القضاء بعد ذلك، بتحسين ولاية البرهان اللقاني للسلطان، وآل الأمر بعد ذلك أن تشكّى للسلطان، وعوّدا بطبقة الزمام بالقلعة، كل ذلك وهو على وظيفة القضاء في جميع هذه المِحَن. وزاد تسلّط يشبُك من مهدي عليه لأمورٍ حقدها عليه وعلى أخيه، حتى قُتل بغُلّ الحسام، مات من قهره من يشبُك المذكور، وآل الأمر في قضية السراج هذا إلى صرفه من القضاء، زعموا أن ذلك لأمور، منها، وهي آكدُها حطُّ يشبُك الدوادار عليه، ثم تَنِبَك قَرا، تبعاً له ذاك لأمرٍ حقده، وهذا لأجل ذاك، لا لغرض له عنده.
ومنها أنه قيل: إن يشبُك بعث إليه يطلب منه نسخة "القاموس" التي كانت في ملكه، وورثه من تركة أخيه الحسام، وكانت نسخته عظيمة، وهي عنده إلى يومنا هذا، بل وذكر أنه يبعث إليه بثمنها، فما سمح له بها.
(١) انظر عن (ابن حُريز) المتوفى سنة ٨٩٢ هـ. في: الضوء اللامع ٦/ ٧٦، ٧٧ رقم ٢٦٢، ووجيز الكلام ٣/ ١٠٢٣، ١٠٢٤ رقم ٢٢١٦، والذيل التام ٢/ ٤٥٢، ونيل الأمل ٨/ ٦٧ رقم ٣٤٢٣، وبدائع الزهور ٣/ ٢٤٠، وشجرة النور الزكية ٢٥٧ رقم ٩٣٥.