للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الهيئة، حسن الشكالة، نيّر الوجه، حسن الصورة واللحية وافرها، عارفاً بأيام الناس، ذا حنكة وتجارب ودهاء ومعرفة بطرائق المُلك والملوك والمملكة، بحيث لا يعجبه في ذلك العجب، متأنّقاً في سائر أحواله، متجمّلا في جميع شؤونه (١)، قائمأ بناموس ما وُلّيه على قواعد قدماء الملوك والأمراء. وكان يُضرب بسماطه المَثَل بالقاهرة، فضلاً عن غيرها، حتى كان الكثير من الناس يقرّع جماعة من الأمراء بمصر وغيرهم، خصوصاً في أيام المواكب وهو بالقاهرة لرؤية ذلك. وكان كريم النفس جداً، سخيّاً، معطاءً، بارّاً لأصحابه، كثير التودّد إليهم والقيام معهم، بل ومع من قصده لمهمّ كائناً من كان، محبّاً في العلم والعلماء والطَلَبَة وأرباب الفضائل والكمالات، معظّماً لهم، محبّاً في الفقراء والصالحين والمجاذيب، ذا مهابة وحُرمة وأُبّهة، حتى كان بعض المعتقدين يقول عنه إنه سلطان أولاد الناس وترشح مرة لنيابة الشام في دولة الأشرف بَرسْباي قبل نيابة الكرَك. وكان مع ذلك كلّه شجاعاً، مقداماً، عارفاً بأنواع الفروسية والأنداب والتعاليم، يشارك بفنون ذلك، يخرّج على أكابر مدّعي هذه الفنون، ويُظهِر لهم عيوبهم في ذلك. وله في ذلك حكايات لو سردناها لطال المجال، وكان عفيفاً عن المنكرات والفروج والمسكرات ولقد حلف مرة يميناً بأنه لم يدخل المسكِر باطنه قطّ، وهو بارّ في يمينه، صادق في ذلك. وكان معظّماً عند الملوك، موقّراً، حتى كان الظاهر يخاطبه بيا سيدي، ويرفع من محلّه، وقام له غير مرة وأجلسه.

وأمّا الظاهر خُشقدم فناهيك بما كان يعظّمه به، وكان إذا حضر عنده تحرّك له، وربّما قام له في بعض الأحيان وأجلسه. وكان إذا حضر مجلسه أقبل عليه، فلا يتكلّم مع غيره إجلالاً له، إلّا على وجهٍ متضمّن بسؤال أحد ممن حضر ذلك المجلس في شيء يتعلّق بالوالد. وكان له التوجّه التام للعالم الملكوتي والإقبال على الله تعالى، مواظباً على نوافل الطاعات والعبادات من صيام كثير من الأيام، وصيام الثلاثة (٢) شهور في المحرّم. كل ذلك في أيام إمرته، فما بالك في غيرها! مع المواظبة على صلاة الضحى وصلاة الغفلة، وقيام الليل في بعض الأحيان، وملازمة التلاوة والأذكار والأوراد، ومطالعة الكتب، والاشتغال والتصنيف والتأليف.

وبلغت عدّة تصانيفه زيادة على الثلاثين، فمن ذلك:

- "البرهان المستقيم في تفسير القرآن العظيم".


(١) في الأصل: "شونه".
(٢) في الأصل: "الثلاث".

<<  <  ج: ص:  >  >>