للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجعله خازناً، ثم ساقياً، وعظُم قدره، وشُهر في المملكة والدولة، وقصده الناس في بعض المهمّات، فأنهاها عند السلطان، وصار السلطان يعتني به، ويعيّنه في مهمّات سلطانية، إلى غير ما جهة، وأثرى من ذلك، وحصّل المال الطائل، ودام على ذلك إلى أن مات الظاهر، وآل المُلك إلى الأشرف إينال، فقرّبه أيضاً وأدناه، وعيّنه في غير ما مهمّ، من ذلك ضبط تركة زوجة قانباي الحمزاوي، وحصل له من ذلك المال الطائل.

ولما تسلطن الظاهر خُشقَدم صيّره رأس نوبة السقاة، بعد صرف خُشداشه الطواشي زين الدين خُشقدم الأحمدي (١)، الذي توزّر بعد ذلك، الموجود الآن الماضي ذكره. ولم يزل على ذلك حتى تسلطن خُشداشه الأشرف قايتباي، فنال منه بعض تخوّف على نفسه منه في الباطن لأمرٍ ما (٢)، فتمرّض مدّة. وكان في ذلك فراغُ أجلِه.

وكان شاهين هذا من أبناء جنسه وجهاً، وأوفرهم جمالاً، وأطولهم قامة واعتدالاً، وضيء الصورة جدًا، بارع الحسن، ذا وضاءة، ولذلك لقّب بغزالي، كأنه نسب إلى الغزال في حسنه، وافتتن به الكثير من النساء، بل والرجال. وله في ذلك أمور تطول حتى استفيض عن الخَوَنْد ابنة جرباش الافتتان به، واللَّه أعلم بذلك.

وكان حسن اللفظ والنُطق، وافر الأدب والحشمة، ذا معرفة وخبرة وفصاحة وذكاء وفطنة وفَهم ويقظة، وعنده سكون وتؤدة، وحُسن سمت، وجودة معاشرة، وحلاوة معارضة، وكان ينقد الشعر وفروقه، وقصده عدّة من الشعراء وامتدحوه.

وللاخ أبي الفضل في مدحه قصيدة طويلة أستحضر منها قوله في براعة مخلعها:

فلم أرطائراً (٣) في الجوّ يشبهها … إلّا الأمير شجاع (٤) الدين شاهينا

وبالجملة فكان من نوادر الخدّام، وكان مسرفاً على نفسه، منهمكاً في لذّاتها، عفا الله عنه.

توفي في ليلة السبت ثامن جمادى الأولى، ودُفن في غده بعد أن جُهّزَ وأُحضرت جنازته إلى مصلّى سبيل المؤمني، وحضرها السلطان وصلّى عليه.


(١) هو خشقدم الظاهري جقمق الرومي اللالا، يقال له الأحمدي لتاجره. مات سنة ٨٩٤ هـ. وقد تقدّم التعريف بمصادره.
(٢) في الأصل: "لا مراما".
(٣) في الأصل: "فلم أرى صايرًا".
(٤) في الأصل: "منجاع".

<<  <  ج: ص:  >  >>