للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقدم مع أبيه إلى القاهرة وهو صغير، فقرأ (١) بها القرآن العظيم على الجمال ابن (٢) الإمام الحسني الشريف، وجوّده، ثم تلاه بمكة بالسبع على الشيخ محمد الكيلاني أحد أصحاب الشمس ابن (٣) الجَزَري، ثم حفظ "العمدة"، و"الشاطبية" قبل ذلك، و"الرسالة" لابن أبي زين، و"الألفية"، كل ذلك في حالة صِغره، وعرض على الجمال الأفقهُسي، والبدر الدماميني، والشمس البساطي، والجلال البُلقيني، والولي العراقي، والعزّ ابن جماعة، والحافظ ابن (٤) حجر، والتلواني، وآخرين. ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن الشيخ عُبادة، والشمس البساطي، والشمس العمادي، وغيرهم. وسمع الحديث على الولي العراقي، وبمكة المشرّفة على الزين ابن (٥) عباس. ووُلّي قضاء بلده عن الحافظ ابن حجر فمن بعده، ثم تدرّك الأعمال المنفلوطية مدّة، ووقع له بها أمور يطول شرحها. وفي تلك الأيام ورد عليه يخش باي الأشرفي، فتقاولا حتى أثبت عليه بعد ذلك بأنه وقع في حقّه بما يقتضي التكفير، كَوْنه سبّه، وكان ذلك ذريعة لقتل الظاهر يخش باي فيما يزعم بالشرع.

وفد أُخبرتُ من كثير ممن أثق به من أهل منفلوط، بأن الحسام هذا قام في تلك الكائنة لغرضٍ ما، والله أعلم.

وكان كثير الدولبة للأقصاب وعمل السُّكّر، وله الكثير من المستأجرات والمزدرعات وغير ذلك من أنواع المتاجر، وأثرى من ذلك ومن غيره جدّاً، واتّسع حاله، وشُهر ببلده، بل بالصعيد كله، بل بالقاهرة، وقطنها على ما هو عليه من الدولبة واتساع الدائرة، وآل به الأمر أن وُلّي القضاء المالكية بمصر بعد وفاة الولي السنباطي، وكان القائم بولايته الجمال بن كاتب جكم طمعاً في ماله، فوليه في التاريخ الماضي في محلّه من كتابنا هذا، وباشره بعفّة وحُرمة وافرة وشهامة، وأخذ في الانكباب على المطالعة والاشتغال بإلقاء الدروس ومطالعة كتب الحديث والتفسير والفقه والأدب والتاريخ، فإنه لما وُلّي صار يُلمز بأشياء، منها: كونه غير عالم، وصار يستحضر بواسطة صهره، ودأبه الكثير من ذلك الذي دأب له.

وكان ذكيّاً، سريعاً في فهمه وإدراكه، ولم يكن من العلماء، ومن عدّه منهم فلغرضه عنده، فرحِم الله امرءاً عرف نفسه فلم يتعدّ طوره.

وكان الحسام هذا لا يتزايا (٦) بزِيّ القضاة غالباً، بل كان يركب الفرس،


(١) في الأصل: "فقراء".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) في الأصل: "بن".
(٥) في الأصل: "بن".
(٦) في الأصل: "لا تزايا".

<<  <  ج: ص:  >  >>