للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويصغّر عمامته، ولا يستعمل الطيلسان ويلبس اللبودة البياض، بل وغيرها من ذلك بالسجف الحرير الملوّن حتى يظنّه من لا يعرفه إذا رآه أنه من التجار. واقتنى الكتب النفيسة، وعمّر المباني الحسنة. وكان يتناهى في مساكنه وملابسه ومراكبه ومآكله ومشاربه ومناكحه، وحشمه وخدمه، بل وفي جميع شؤونه (١). وقام في قضائه بأمورٍ كثيرة كبيرة، منها قيامه في صرف علي ابن (٢) الأهناسي عن الوزارة، وتكلّف في ذلك إلى نحو الثلاثين ألف دينار، أو زيادة على ذلك، لا لله ولا لأبي عبد الله. وكان في ذلك ذريعة طمع أرباب الدولة فيه، بزيادةٍ عما كانوا، بل وتنبههم عليه، بل ودام في عكس ذلك إلى موته.

ووُلّي الحسام هذا عدّة من الوظائف الدينية غير القضاء، منها تدريس المالكية بالخانقاة الشيخونية، وليه عن الشرف العجيسي بتستُّر بينهم، بما لا طائل تحته، بل وربّما أراد البعض من صوفيّتها من أهل درسه إفضاحه، وأحسّ هو بذلك، فراشاهم (٣) حتى استحوا من إحسانه إليهم، فأذعنوا له. وكان إذا حضرت إليه جامكية الشيخونية فرّق ذلك في طلبتها بالنَوبة على يد نقيب درسها. وكان بيده أيضاً درس الفقه للمالكية بجامع ابن (٤) طولون. وكان من كثرة إغداقه على الطلبة والفُضلاء، وكثرة تكرّمه عليهم يزدحمون في دروسه، لا لأجل الفائدة، فإنه كان منهم من هو أفضل منه بمراحل. ولم يزل على ما هو عليه حتى بَغَتَه أجَله وهو على شهامته وفخامته وضخامته ومنصبه. وكان داهية من دواهي الدهر، مفوَّهاَ، فصيحاً، شهماً. واسع البذل والعطاء، كثير السماحة والسخاء، كريم التعبير جداً، كثير البشر والبشاشة، حسن السمت والملتقى، يقوم في قضاء حوائج من قصده، وكان يَعاب بكثرة التخليط والتخبيط والقيام في أغراض نفسه بكل ما أمكنه واستفراغ جهده في ذلك ولا عليه من ذهاب الأموال، بل والأنفُس في ذلك، بل ولا ذهاب ماله هو، ويحمل الكثير من الديون بأخرة، حتى كان دخله لا يفي بخرجه، والذي له لا يفي بما عليه. ولطف الله تعالى به أنْ فرغ أجله وإلّا كان انكشف حاله، لا سيما وقد كان يشبُك الدوادار من أكبر المحطّين عليه، وكان الأمر بينهما على السكون لهذه المدّة والأمد، ولو بقي بعدها لما ناله منه الخير، لكنْ حصل على أخيه السراج بعده بسببه ما لا خير فيه، وكان ذلك سبباً للأول لعزله على القضاء على ما قدّمناه في ترجمته.

وكان الحسام هذا أستاذاً في رمي البُندق ورمي طيور الواجب بأسرها، بل


(١) في الأصل: "شونه".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) هكذا، والصواب: "فرشاهم".
(٤) في الأصل: "بن".

<<  <  ج: ص:  >  >>