للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان يعاب بتحشّره إلى بعض بني الدنيا ومداخلته إيّاهم لا لضرورة، كجانِبَك نائب جُدّة وغيره.

وكان له رزق حسن (١) كفاية له، وقطع الزين الأستادّار الماضي قبله عدّة مرتّبات باسمه، ولهذا حطّ عليه حين ترجمه كما حطّ على الظاهر يُلباي لكونه قطع النفقة عن أولاد الناس وهو منهم على ما تقدّم في محلّه، وكان عنده البُخل والشح، لكنه كان حسن السمت والملتقى، كثير البِشر والبشاشة والتؤدة والأدب والحشمة، مع حُسن الهيئة والشكالة والتجمّل في شؤونه (٢). وكان عاقلًا، سيوسًا، عارفًا بأنواع الفروسية والملاعيب، وسَوق المحمل، بل ربّما ساقه فيما أظنّ، أو عُيّن له، ثم أُبطل، وكان عارفاً بالبرجاس وغيره، وصاهر الخلفاء والملوك وقضاة القضاة و ( … ) (٣) الناس. وكان معدودًا. من نبلاء بني جنسه من أولاد الناس وأصلابهم معظمهم من الملوك والسلاطين والأكابر، وله وجاهة وذِكر وشُهرة. وكان معظَّمًا عند الأشرف قايتباي سلطان العصر يكرمه جدًّا ويجلّه، وأجلسه مرة مع مقدَّمين (٤) الألوف، على أن ذلك لم يقع لغيره من أولاد الناس أصلًا في غير وظيفة أو تقدمة، وعُدّ ذلك من نوادره.

وكان عفيفاً، نزِهًا، لطيف الذات والمزاج، وكان يتديّن، ويُظهر الخير والتقوى، ومحبّة العلم والعلماء وأهل الفضائل.

وكان بيننا وبينه مودّة ويسير صحبة، وكان كثير العِلل والأمراض.

ومن آثاره التربة اللطيفة الأنيقة الظريفة التي أنشأها بالصحراء تجاه تربة الأشرف إينال، وبها جعل مقرّ كتبه التي صنّفها وألّفها بعد أن وقفها عليها.

توفي بالقاهرة في يوم الثلاثاء قريب غروب الشمس، وأُخِّر إلى صبيحة الأربعاء سادس ذي الحجة.

ولهذا وهِم من قال: مات يوم الأربعاء.

ثم جُهّز، وبعث السلطان بأن تحضر جنازته إلى مصلَّى سبيل المؤمني، فأُحضرت في مشهد حفل، ونزل -أعني السلطان- فصلّى عليه، ثم أظهر


(١) في الأصل: "رزقًا حسنًا".
(٢) في الأصل: "شونه".
(٣) كلمة ممسوحة.
(٤) الصواب: "مع مقدَّمي".

<<  <  ج: ص:  >  >>