للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والكياسة، وعلى أنه لم يخْلُ من الفضيلة. وكان له اليد في ضبط بعض الحوادث الواقعة بمصر. وله معرفة بتراجم الكثير من الأتراك على ما في ذلك من العِوَج. وكان قاصر العبارة، يُطنب في موضع إيجاز، ويوجز في موضع إطناب، ويذكر أشياء غير مناسبة للمقام والحال. ولقّبه بعض الجَهَلة بالعلّامة في التاريخ وليس كما قال ولا القريب من ذلك. وإن كان له اليد في ذلك لكن بحيث يبلغ إلى مقام يقال له فيه: "العلّامة" فلا، ولا إلى ما ترجم به هو نفسه أيضًا، فإن ترجمته لنفسه يُشعر بعلم كبير واسع غزير يكذّبه في ذلك وقوف من لم يره على ما وضعه وصنّفه ويكشف زيفه.

ووقع له مرة عند نائب جُدّة في مجلس حضره العلّامة البدر ابن (١) العَيني بأنْ بدر للبدر فقالى له: ألا أُسمعك شيئًا غريبًا أُتحفك به؟

فقال له البدر: أجل.

فأنشده شيئًا من شعر.

فقال له البدر: إنّ هذا لفلان وليس هذا لَغَريب، فإنه في الشهر تواريخ الإسلام، وهو "تاريخ ابن (٢) خَلّكان" (٣) في ترجمة فلان.

فما أحسن من يعظّم نفسه وعدّها في الحضيض ولو كان في النُّهَى. فما ظنُّك بمن هو بضدّ ذلك؟

وكان يسلك في تواريخه إطراء من له عنده الغَرَض، وبالعكس عكسه وشيء في الكثير من ذلك على غير طريقة الإنصاف، بل أتى بالاعتساف. على أنني بشهادة اللَّه تعالى لا أقول ذلك لغرضٍ لي عنده أو على جهة هضم مقداره، بل أذكر الواقع، وقد نبّهنا في كثير من المواضع من تاريخنا هذا على أشياء من سَقَطاته وأوهامه وغلطاته وتحامله، وغير ذلك، يظهر ذلك لمن تأمّل تاريخنا هذا. وكان كثير الإطراء لنفسه، عريض الدعوى جدًا.

وكان بينه وبين الوالد محبّة وصحبة أكيدة ومودّة زائدة، وذكره في مواضع عديدة من تواريخه بما فيه تعظيمه وإجلاله. وترجمه في تاريخه "المنهل الصافي" (٤)، على أنه أتى في ترجمته بكثير من أوهام. بل وكذب.


(١) في الأصل: "بن".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) هو كتاب: "وفيات الأعيان".
(٤) انظر الجزء ٥/ ٢٥٨ - ٢٦١ رقم ١٠٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>