للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المذكور، وكان قد وقع للإثنين المذكورين مع الكوراني ما أوجب حنقهما عليه، ومنه آل الأمر إلى التعصّب التامّ عليه، فبدأ حميد الدين بشكواه للسلطان الظاهر، وكان الظاهر، رحمه اللَّه، على عادة التُرك، الدعوى عنده لمن سبق لا لمن صَدَق، فتشكّى له بكلام طويل لا حاجة لنا بذكره، فقال له الظاهر: أَلَكَ بيّنة بما تقول؟ فاستشهد بالبدر محمود بن عُبيد اللَّه.

وكان أصل قضيّة البدر مع أحمد الكوراني وحنقه منه الحنق الذي أدّاه إلى أذاه أنه كان سعى قبل ذلك في قضاء دمشق الحنفيّة عن الشمس الصفدي، وكان بينهما في العلم ما بين الثُريّا والثَرى، فاتفق أنْ عارضه الكوراني في مجلس كاتب السرّ ابن البارزي، فأوجب له أن يحمل عليه، فشهد عليه عند الظاهر، ثم طلب السلطان شاهداً آخر، فأحضروا إنساناً زعموا أنه يشهد، فلم يشهد بشيء. وكان الشهاب الكوراني قد طلع إلى السلطان على عادته وأخذ يتنصّل مما نُقل عنه بكل ما تصل إليه قدرته، وأشرفت القضيّة على السكون. ولم يسكت حميد الدين، وبقي يدور على أعيان الحنفية ويستحثّهم على مساعدته والقيام معه، ويُظهر لهم أنه ما يفعل ذلك لأجل نفسه بل لأجل الإمام أبي حنيفة رضي اللَّه عنه، كيف يجعله هذا الشخص حماراً، وصار يحرّض في هذه القضيّة ويذكر لهم أشباه هذا، إلى أن آل الأمر إلى تحريك فقيه قاصد شاه رُخ الذي قدّمنا ذكره وحرّضه على القيام معه، وبيّت معه ما يوصله إلى ذهن السلطان، وتساعدوا على هذا إلى أن تمّ كيدهم، فقام القاصد المذكور مع الحميد المذكور وساعده بكلام أوهم فيه السلطان أنه إن لم يوقع بالكوراني المذكور، فعاد عيبه عليه ونُسِب إلى التعصُّب على أبي حنيفة رحمه اللَّه، ويبلغ ذلك بلاد العجم ولشاه رُخ. وكان الكوراني ربّما نقل على السلطان بطيشه وخفّته ومداخلته له، فحرّك عنده ساكناً مع تشنيع هذا الفقيه عليه عند السلطان، فأمر بطلبه في الحال ورسم بسجنه ببرج القلعة، وبعث إلى القضاة بعقد مجلس في ذلك، فاجتمعوا في يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الأولى المذكور بين يدي السلطان، وأحضر الكوراني من البرج، فادّعى الشيخ حميد الدين عليه عند قاضي القضاة السعد بن الدَّيري، وأمر السلطان بنزوله معه إلى منزله، فأنزل ماشياً، وشهد عليه البدر محمود بن عُبَيد اللَّه، وانضاف إليه آخر يقال له بدر الدين البنبي.

قال الحافظ ابن (١) حجر (٢)، رحمه اللَّه، في حق البنبي: فاتفق حضور بعض


(١) في الأصل: "بن".
(٢) في إنباء الغمر ٤/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>