للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتعلّق به في هذه الترجمة لا يعجبه أحوال الجمال هذا في قضائه وسيرته، فقام في عزله أتمّ قيام بأن قدم القاهرة وأخبر السلطان الظاهر بأحواله وبجهله، ونسَبَه إلى كل سوء وشرّ، وأفحش في ذلك إلى أن تمّ أمر عزله، فعُزل بالشيخ شمس الدين بن عامر المالكي. وكان الشمس هذا أحد نواب الحكم في قضاء الشيخ شمس الدين البساطي. فلما وُلّي البدر التّنيسي بعد وفاة البساطي امتنع عن استنابته، فبقي معطّلاً إلى أن قام الشيخ سرور هذا وحسّن للسلطان توليته قضاء الإسكندرية حتى أجاب السلطان إلى ذلك. فلما بلغ الجمال ذلك كادت روحه أن تزهق، وخرج من الإسكندرية قبل أن يدخلها ابن عامر، ثم دخلها ابن عامر وباشر قضاءها (١)، وقدم الجمال إلى القاهرة وهو موعوك من قهره وشدّة حرصه على الرياسة، ومكالبته (٢) على المنصب، ومحبّته له. فلا زال يجتهد الاجتهاد الكلّي ويسعى السعي الحثيث (٣)، ويتوسّل بكل وسيلة، ويحتال بكل حيلة إلى أن أعيد إلى القضاء على عاداته وصُرف ابن (٤) عامر، وحصل له الخمول.

ثم أخذ الجمال هذا يتحيّل أيضاً بكل ما أمكنه وصرف همّته، ولم يكن دأبه إلّا الشيخ سرور المغربي وإفساد صورته عند السلطان. وكان السلطان اذنا على ما هو المعروف من حاله فأمر بنفي الشيخ سرور إلى بلاد المغرب، وكتب بذلك إلى الإسكندرية، وكان بها بعض مراكب الفرنج فأنزل فيه الشيخ سرور مسلسلاً في الحديد على ما قيل ليسافر به إلى بلاد المغرب. واتفق في يوم إنزاله المركب أن حضر بربريّ من القاهرة إلى الإسكندرية بمكاتبة من السلطان يقتضي أنه شفع في الشيخ سرور وأنه يبقى، وكان قد شفع فيه بعض الأعيان، وبعث البربري بذلك فاتفق دخوله الإسكندرية مساءً، ففطن الجمال ومن وافقه على الحيلة على الشيخ سرور المذكور بالقضيّة، وأن البربري جاء بإطلاقه، فغالطوه بقراءة ما على يده من المكاتبة إلى صبيحة تلك الليلة، ثم دسّوا إلى الفرنجي صاحب المركب بأن يقلع بمركبه ليلاً، بل ويقال دسّوا إليه بقتله أيضاً، لا جزاهم الله خيراً، خوفاً من عَود سرور أيضاً، فإنه كان وقع له مثل ذلك مرة على ما أسلفناه في ترجمته، وعاد من تونس، فأقلع الفرنجي من ساعته. ثم لما أصبح النهار وقُرئت المكاتبة أمر بإحضاره، فذكر أن المركب سار وهو فيه، فاعتذروا بذلك. وعاد البربري بالخبر. واستمرّ سفر الشيخ سرور، ثم انقطع خبره بعد ذلك، وقد جزم بأنه اغتاله الفرنجي، وقيل بمواطأتهم، ولم يحصل القاضي بعده على طائل ولا انتفع بنفسه، بل دامت به العِلل والأمراض والرديء من الأمراض.


(١) في الأصل: "قضايها".
(٢) في الأصل: "ومكالبه".
(٣) في الأصل: "الخبيث".
(٤) في الأصل: "بن".

<<  <  ج: ص:  >  >>