للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بها، ولْتكُن نموذجاً لنا في كلامه، ولم يحضرني من كلامه الآن إلَّا هي، وإن كان في كلامه ما هو أقوى منها نظماً، وهي هذه:

تذكّرتُ أياماً تقضّت بحاجِرِ … ففاضت دموعي عَنْدَماً من مَحَاجِرِي

فلا تَعتبوا من أظهر الدمعُ سرَّه … ولا تعذلوا من بات في هجر هاجرِ

على المرء صَعْبٌ أن يفارق إلْفه … ولو أنّ أدنى البُعد لمحة ناظرِ

فكيف بمن أمسى غريبَ ديارِه … وبات على فرش الضنى دون زامرِ

أنا العاشق المهجور والمغرمُ الذي … غرامي غريمي في الهوى ومُسامري

سقى اللَّه أطلالاً شَرُفْنا بِعِشقها … وأنهلها من خير سُحُب مَوَاطرِ

لقد كان لي عهدٌ بصحبة أهلها … وحفظ ودادي في ربوع عوامرِ

وكنت أرى في حبّهم جودة لها … جمال جميل مُفتِن للنواظرِ

إذا أقبلت تخطو ترى الغصن مطرِقاً … حياءً وبدر الأفق في زيّ باسِرِ

يسمّونها في كل حيّ غزالة … وهيأتها فوق الليوث الكواسرِ

ومن عجيبٍ أن الثابت باسمها … فما لي أرى نجمي بها كل شاطرِ

ويسعى لها العشاق من كل وجهٍ … رجالاً ورُكباناً على كل ضامِرِ

على وصلها الأموالُ تُنفق رغبةً … ويؤثر فقد الروح فوق المآثِرِ

فما وصْلُها إلّا تجارةُ رابح … ومتجرُها لا شكّ خيرُ المشاعرِ

وما شرُفت إلّا بأشرف مرسلٍ … وأكرمِ مبعوث وأفصحِ ذاكِرِ

محمد المبعوث من نسل هاشم … إلى الخلق طُرّاً بالهدى والبشائِرِ

هو ابن الذبيحين الذي لم يكن له … من الرسل كفُواً في العُلَى (١) والمفاخِرِ

أمينٌ على وحي الإله وخَلْقه … ورحمته العظمى بأُولَى وآخرِ

به أودع اللَّهُ الجمالَ بأسره … فليس له في حُسنه من مُشاطِرِ

ولم تر عينٌ في الخلائق مثلَه … ولا شَكلَه في ورد الحمول الصوادرِ

وتستغرق الأفكارُ في نعتِ وصْفِه … ويُغلِقُ نقْدٌ عندهم بالخواطرِ

كذا خطباءُ الدين ميَّزَها اسمُه … إذا ذكرته فوق أعلى المنابرِ

له معجزاتٌ في المشاهد شوهدت … وأخبارُها جاءت لنا بالتواترِ

براحتِهِ الحصباءُ للَّهِ سبَّحَتْ … كتسبيح إنسان مع الوصف باهرِ


(١) في الأصل: "العلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>