بها، ولْتكُن نموذجاً لنا في كلامه، ولم يحضرني من كلامه الآن إلَّا هي، وإن كان في كلامه ما هو أقوى منها نظماً، وهي هذه:
تذكّرتُ أياماً تقضّت بحاجِرِ … ففاضت دموعي عَنْدَماً من مَحَاجِرِي
فلا تَعتبوا من أظهر الدمعُ سرَّه … ولا تعذلوا من بات في هجر هاجرِ
على المرء صَعْبٌ أن يفارق إلْفه … ولو أنّ أدنى البُعد لمحة ناظرِ
فكيف بمن أمسى غريبَ ديارِه … وبات على فرش الضنى دون زامرِ
أنا العاشق المهجور والمغرمُ الذي … غرامي غريمي في الهوى ومُسامري
سقى اللَّه أطلالاً شَرُفْنا بِعِشقها … وأنهلها من خير سُحُب مَوَاطرِ
لقد كان لي عهدٌ بصحبة أهلها … وحفظ ودادي في ربوع عوامرِ
وكنت أرى في حبّهم جودة لها … جمال جميل مُفتِن للنواظرِ
إذا أقبلت تخطو ترى الغصن مطرِقاً … حياءً وبدر الأفق في زيّ باسِرِ
يسمّونها في كل حيّ غزالة … وهيأتها فوق الليوث الكواسرِ
ومن عجيبٍ أن الثابت باسمها … فما لي أرى نجمي بها كل شاطرِ
ويسعى لها العشاق من كل وجهٍ … رجالاً ورُكباناً على كل ضامِرِ
على وصلها الأموالُ تُنفق رغبةً … ويؤثر فقد الروح فوق المآثِرِ
فما وصْلُها إلّا تجارةُ رابح … ومتجرُها لا شكّ خيرُ المشاعرِ
وما شرُفت إلّا بأشرف مرسلٍ … وأكرمِ مبعوث وأفصحِ ذاكِرِ
محمد المبعوث من نسل هاشم … إلى الخلق طُرّاً بالهدى والبشائِرِ
هو ابن الذبيحين الذي لم يكن له … من الرسل كفُواً في العُلَى (١) والمفاخِرِ
أمينٌ على وحي الإله وخَلْقه … ورحمته العظمى بأُولَى وآخرِ
به أودع اللَّهُ الجمالَ بأسره … فليس له في حُسنه من مُشاطِرِ
ولم تر عينٌ في الخلائق مثلَه … ولا شَكلَه في ورد الحمول الصوادرِ
وتستغرق الأفكارُ في نعتِ وصْفِه … ويُغلِقُ نقْدٌ عندهم بالخواطرِ
كذا خطباءُ الدين ميَّزَها اسمُه … إذا ذكرته فوق أعلى المنابرِ
له معجزاتٌ في المشاهد شوهدت … وأخبارُها جاءت لنا بالتواترِ
براحتِهِ الحصباءُ للَّهِ سبَّحَتْ … كتسبيح إنسان مع الوصف باهرِ
(١) في الأصل: "العلا".