للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بشأن دينهم ليكون له المنّة (١) العظمى ويحمِّلهم بذلك جميله، لكونه لم يعبأ بالمسلمين في نفسه ولا رآهم في عينه. وكان ذلك يوم اللقاء وحين الحرب والقتال، وقد اشتدّ الأمر على المسلمين لِما رأوه من كثرة جمع الكفّار. وكانت الحرب بينهم بأرض فيها فسحة كثيرة الكوادي والرُها، ومن جهة الكفّار وكثير من عساكر الكفّار لم يحضر إلى ذلك الحين، بل هم في سَيرهم، وتلاحق بعضهم البعض، وظنّ المسلمون أن جموعهم من حضر فقط، ومع ذلك قد أحلّهم من الوهم من كثرتهم الأمر العظيم وبينا هم في أشدّ القتال حمل الملك بنفسه حملة واحدة طمعًا في المسلمين، وكان ذا أيدٍ وشجاعة وإقدام، فتوغّل في المسلمين وقتل منهم عدّة، ثم رجع، ثم كرّ ثانيًا حاملًا على المسلمين فصنع كصنيعه الأول، فاشتدّ الأمر على المسلمين وداخلهم أو كاد يداخلهم الرعب. وبينا هم على ذلك إذ تلاحق عساكر الكفّار إلى بعضهم أيضًا، وبقوا يبغوا من وراء تلك الجبال والوهاد والتلال ويتلاحقوا بجمعهم وينحازوا إليهم. ويقال ذلك عسكر الإسلام، وكادوا أن يهزموا، بل فرّ منهم جمع، ولاحت عليهم أمائر الفشل، وكادوا أن يجبنوا ويفشلوا على أنهم كانوا قبل ذلك على قربٍ من ذلك، فكيف الآن؟ وضاقت على ابن عثمان الأرض بما رحُبت في تلك اللحظة بل وظهر عليه أمارات الفشل، وخارت قوى الكثير من المسلمين، فبادر عصابة من أعيان أكابر الأمراء وأشياخهم من ذوي النكات والتجارب منهم ومن الجند الفرسان ذوي الآراء والهمم من الأشياخ وغيرهم ممن حنّكتهم التجارب وارتكبوا الأهوال وعرقوا الأمور فاجتمعوا عصابة واحدة وأخذوا في ملاطفة ملكهم بالكلام وتسكين ما به من شدّة ما وجّه من الأمر وخفّفوا عنه ما يجده وشجّعوه وقوّوا جَنانه وجأشه وهوّنوا عليه الأمر فكلّموا بلغتهم التركية ما معناه أنه إن وقعت هزيمة أو نحوها ذهب الإسلام من الروم، وركب الكفّار أقفية المسلمين فلم ينج منهم ناجٍ ويهلكوا عن آخرهم، ويبقى الإثم على الملك، وهيهات إن نجا هو أيضًا فإنه متوغّل في بلاد الكفر والرأي في إظهار الجلادة والصبر والثبات وتطمين الملك قلوب العساكر وتحريضه إياهم بنفسه وإن جهل الموت فليكن ونحن مقبلون لا مُدبرون، ولعلّ اللَّه تعالى يأتي بالفرج والنصر وكلمات أُخَر من جنس هذا المقال، ثم جاء جماعة فقيّدوا فرس ابن عثمان ثم احتاطوا به، وحرّض بعضهم بعضًا، وقالوا: أخلصوا النيّات ولا تخافوا، فإن اللَّه ينصر دين نبيّه وانظروا كيف بدأ دين نبيّكم وكان في غاية القفة مع جموع الكفّار وكثرتهم، اثبتوا تُنصروا وتؤجروا، وإن كانت


(١) في الأصل: "الماية".

<<  <  ج: ص:  >  >>