للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأخرى فلتكن وأنتم في نصرة الدين بالإقبال ولا مُكْن بالإدبار تقتلوا وتُخْزَوا، والموت بجميلة خير منه بلا جميلة. فاشتدّ بذلك عضُد العسكر الإسلامي بعض الأشتداد. وبينا هم على ذلك إذ حمل الكافر عدوّ اللَّه تلك الكفّار، وكان اسمه قرال حملةً ثالثة كعادته الأولى والثانية. فكانت هذه الحملة هي القاضية التي هلك فيها، وقصد عصابة المسلمين المحيطة بالملك. ولما رأى ملك المسلمين ذلك أمر بأن يُفسحوا له في صورة قرب الانهزام أو التأخّر خوفًا منه ليتوغّل فيهم، وكان رأيًا سعيدًا مباركًا، بارك اللَّه فيه وعليه، ففسحوا له، فتوغّل فيهم وقصد نحو ابن عثمان، فبادر الرُماة فى استقباله بالسهام، واقتحموا عليه، وكثُر عليه الرمي فأصابه سهم أطاحة عن فرسه على أمّ رأسه فسقط إلى الأرض حين اشتدّ القتال، وتلاحم الحرب. وقد ملأ اللَّه تعالى قلوب المسلمين بالشجاعة، وذهب ذلك الذي اعتراهم أوّلًا كأنه لم يكن، وصاح ابن عثمان بنفسه على جنده محرّضًا لهم، مُقَوّيًا لقلوبهم بعد أن نزل إلى اللعين من حزّ رأسه في الحال وجعلها على رمح ورُفع، وصاحوا صيحة واحدة، وأعلموا بالتكبير، ومشوا على الكفّار، والرأس أمام فرس ابن عثمان. وقد حمل المسلمون حملة واحدة وحطموا في بقيّة الكفّار، وتراجع كثير من المسلمين ممن كان قد فرّ من قبل رأي الأشياخ، فولّى الكفّار الأدبار، وظهر من نصر اللَّه تعالى دينه، وأعلى (١) كلمته في ذلك اليوم ما لم يخطر ببال، ونودي في الكفّار بقتل ملكهم قرال، وكان معه مدبّره بال كو، وله أخبار غريبة عجيبة، وفُقد معه من العساكر لما شهدوا رأس الملك على الرمح، واشتهر قتله، وسمعوا المنادي به وولّوا الأدبار، وانهزموا بغير قتال، وركب المسلمون أقفيتهم بالأسلحة المصلتة والبرادعين والسيوف وغير ذلك فقتلوا وسبوا وأسروا وكسروا (٢).

ومن غريب الاتفاقات في ذلك اليوم أن قطيعًا من الغزلان ثار بتلك البرّيّة، وثار به جمع وافر (٣) من الوحوش الكاسرة لافتراس الغزلان، فثار بين الفريقين غبرة عظيمة هائلة ظنّها الكفّار مددًا ونجدة للمسلمين، فزاد رعبهم واشتدّ عليهم الأمر وهُزموا أقبح هزيمة وأشنعها لا يلوي أحد منهم على أحد، واشتدّ الغبار فيما بينهم أيضًا فحصل بينهم اصطدام وازدحام قتل بعضهم بعضًا، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: ٢٥]. أعزّ اللَّه تعالى الإسلام في


(١) في الأصل: "اعلا".
(٢) خبر إسلام الأسرى في: إنباء الغمر ٤/ ٢٣٤، ونيل الأمل ٥/ ٢٠١، وبدائع الزهور ٢/ ٢٤٧.
(٣) في الأصل: "وثار به جمعًا وافرًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>