للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على كل حال، مترجَم على لسان الحافظ ابن حجر وغيره من شُهر بالحفظ والعلم، فليت تعدّي هذا مقاله في الوَنَائي مع جلالة قدره، فماذا كان يقول لو رأى محمّد بن المغربي الغزّي (١) قاضي القضاة الحنفية بمصر، فإنه ما ركب حمارًا ملْكًا بمصر، فضلًا عن البغل والفرس، بل أظنّ أنه لم يقع مثل هذه الثُلْمة بمصر قطّ بولاية هذا اللُكع ابن (٢) اللُّكع قضاء الحنفية بديار مصر، إذ ليس هو من العلماء الأعيان ولا من الرؤساء النبلاء الأُصلاء ذوي البيوتات، ولا من أهل الصلاح والدين المتين حتى يقال روعي جهة من هذه الجهات هي المندوحة لولايته، فلعلّ ولاية هذا عار عظيم على ملك مصر، بل وفيه طمع الطامع فيه بقول الوَنَائي خلا هذا الملك من كل شيء، حتى ممن له وجاهة لتولية القضاء، بل وأهلية، بل وفيه عار على ملوك مصر أيضًا حيث ولّوا مثل هذا، فاللَّه حسيب من كان السبب في ولايته، ولا أقول حسيب مولّيه، فإنه تمسّك بقول من ربّاه عنده وترجمه لديه، لا أحسن الله إليه، فلعلّه غشّ الإمام الأعظم، فإن جلّ غرض السلطان كان في ولاية من لم يكن من أهل مصر، ممن لا غرض له عند أحد، ولا يراعي (٣) جانب من له جاه أو وجاهة، وأن يكون موصوفًا بالعلم والدين والخير ولا عليه من فقره، فذكر من رباه هذا عنده وغطّى (٤) عليه، إذ هذا أصله من أراذِل المغاربة من أهل مسراته، وهم ببلاد إفريقية، ومملكتها كالقطويين بالنسبة إلى ملك مصر من كونهم فاقة متكالبين على الدنيا، لا وجاهة ولا رياسة عندهم، ولهم الحرص العظيم والتكالب السابغ في تحصيل الدنيا والاتجار في الأشياء الخسيسة للبلاد البعيدة في البراري والقفار كأوجلة ومكرة ونحوها من بلاد صحاري الرمال. ونسل هذا بغزّة من هذا الأصل، ونشأ بها في غاية الغلّ والخمول، وتعانى الاتجار في الفراء (٥) ونحوها، وداخل الباعة المصريّين ممّن يتّجر في هذا النوع الخسيس مخالطًا (٦) لهم، مداخلًا إيّاهم متردّدًا إلى مصر في هذه الصناعات، مخالطًا للسفلة، فهو في الحقيقة فوق أوباش المصريّين في الندالة إذ له يتردّد إليها مدّ [ة] مديدة. فهو مصري وزيادة، لم يذكر ولا كان عنده مخبر، وما نوّه به إلّا الأمشاطي أخرص من الأعراض، ولو علم الأمشاطي أو شعر بما يصل إليه لكان أكبر المُحِطّين عليه. أليس قد قيل له لما أُذِن له بالإفتاء والتدريس بالجامع الأزهر وله نيابة الحكم فإنه من الفقراء فامتنع،


(١) تقدَّم التعريف بابن المغربي الغزّي في أثناء ترجمة "الشارعي" برقم (٨٧).
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "يراع".
(٤) في الأصل: "وغطا".
(٥) في الأصل: "القرا".
(٦) في الأصل: "مغايطا".

<<  <  ج: ص:  >  >>