للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان هو أيضًا من مماليك سودون المحمدي. توافق أستاذه في اسمه، ونسبته لعلّها من النوادر. وكان خاصكيًا في دولة الأشرف بَرسْباي، ثم صيّره رأس نوبة الجمدارية، ثم ولّاه نظر حرم مكة المشرَّفة، وتكرّرت ولايته غير مرة، وكذلك وُلّي باشية الجند هناك، وهو الذي جدّد سقف الكعبة برأيه مع أنه شاور الأشرف في ذلك، لكنْ ظنّ الأشرف أن ذلك مما يحتاج إليه، خصوصًا وقد أُنهي له أنه يدلف بالمطر، وقد زاد بعد تجديده عمّا كان قبله، فلم يكن للبيت حاجة إلى ذلك السقف المجدّد. ولهذا نقم على سودون ذلك، وشافهه السلطان فأنكره وقال له لأيّ شيء ما شاورت العلماء والأكابر على ذلك قبل فِعله، لا سيما لما أُنهي للأشرف أنه صار الطير يجلس على سطح الكعبة بعد أن كان لا يطير عليها ولا يعلوها، فضلًا عن الجلوس عليها، وقيل: ذلك نَكال من اللَّه تعالى لنا، ولهذا لما أريد فِعل ذلك خرج الكثير من أهل الصلاح والخير من مكة، لا سيما وقد جرّدت الكعبة، وبقي البيت بلا سقف أيامًا، واعتلى (١) الفَعَلة والعمال البيت، وحصل بعض تعليل حرمة البيت، وكلما أدّى إلى ذلك فهو ممنوع منه لا سيما إذا كان لغير ضرورة أكيدة، وحصل بذلك غاية الضرر لسَدَنة البيت بواسطة الاجتياح إلى اعتلاء السطح وكَنْسه في كل قليل. ويقال: لعلّ ذلك بواسطة زوال ما كان عُمّر بالحال الطّيب من أهله في ذلك الزمان حتى عُمّر بمال غير طيّب لا سيما في هذا الزمان، فزال ذلك الشرّ بواسطة ذلك أو لعلّه لسرّ لا يعلمه إلّا اللَّه تعالى. وكان أشيع بمكة حين خرج بعض الصالحين منها حين تلك الغفلة أنهم إنما خرجوا خوفًا من حدوث حادث أو سخط ينزل بنا لأجل ذلك، ولهذا شق ذلك على كثير من الناس لا سيما أهل الصلاح والخير، وما أراد سودون بذلك إلّا القرب إلى اللَّه تعالى بهذه الفعلة ظنًّا منه أن ذلك من أنواع الخير، بل ظنّ بجهله أن ذلك من أعظم أنواعه ومن أكبر المصالح وهذا غاية الجهل ولو لم يكن على سودون هذا من ذلك سوى أتعاب السَدَنَة والوسيلة إلى صعود سطح البيت في كل قليل لَكَفَاه ذلك إثمًا ولعلّه استقدم من مكة آخر قدماته لم يرجع إليها، وأمّره الظاهر عشرة، ثم خرج إلى رودس ثم عاد فولّاه الظاهر نيابة قلعة دمشق عِوضًا عن فارس على ما قدّمنا ذلك أو عن شاهين، فليُحرّر.

وكان سودون هذا خيّرًا ديّنًا ساذجًا، كثير البِرّ.

أخبرني من أثق به عنه أنه كان حين ساكنًا بالقرب من مدرسة قَلَمطاي يحضر


(١) في الأصل: "واعتلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>