لا يهتدي إلى الكتابة، حتى ولا اهتدى لكتابة العلامة على المناشير، ولعلّه أول سلطان لم يكتب من الجراكسة. وكان أيضًا لا يهتدي إلى كتابة اسمه على المراسيم أيضًا، بل كان الموقّع إذا كتب منشورًا أو مرسومًا ونحوه كتب بالقلم الرفيع العلامة. وكان هو يعيد على ذلك بقلم العلامة الغليظ وما اهتدى إلى حفظها وكتابتها غائبًا مع طول مكث مدّته في السلطنة. ثم بأخرة ألِف كتابة اسمه على المراسيم فقط والتقاليد والتواقيع فقط بخلاف العلامة على المناشير.
وما ذكره بعض المؤرّخين (١) من أنه كان يُنقّط له ثم يعيد هو على النُقَط فَوَهْم، بل كان يُكتب له كما ذكرناه. وكذا ما ذكره أنه لم يهتد إلى ذلك مدّة سلطنته، بل اهتدى على ما بيّنّاه في المراسيم ولم يُعِدْها بخلاف المناشير، فإن العلامة فيها:"الله أملي"، فكأنها كانت بعيدة عن ذهنه، ولأنها كانت قليلة الكتابة بخلاف المراسيم فإنها متكرّرة كثيرًا.
وذكر هذا المؤرّخ أيضًا عنه أنه لم يكن عفيفًا عن الفروج، بل قال عنه إنه اتُّهم بحبّ المُرْد، وإنه كانت أحكامه غالبة ساقطة للشريعة الناس، وهذه عبارته بعينها وحروفها، وأنت ترى ما فيها من الخلل، بل كان السُكات عمّا ذكره أجمل، إذ العفّة من غالب هؤلاء الأتراك، وإن ظهرت فالغالب في الباطن بخلافها، على أن من ذكر هذا المؤرّخ عنه العفة منهم كان إينال هذا عندي أعفّ منه، ومن نظر بعين الإنصاف مع تركله الاعتساف والغرض في سيَر هؤلاء وأحوالهم علم ما أقوله بشرط إمعان النظرة والتوسّم الموافق لصحة الخبر حتى به يزن ما يرد عليه ويسمعه.
ثم قال هذا المؤرّخ بعد ذلك، ووقع من مماليكه في أيام دولته من الأذى والتشويش البالغ والفحش ما لا يمكن شرحه، وهو راضٍ به مع قدرته على إزالته. ثم قال: وكان يرضى بظلم الظالمين، بل ربمّا شكرهم على ظلمهم وألبسهم الخلع والتشاريف.
قال: وكان الخلق في آخر أمره تبغضه بغضًا شديدًا عظيمًا، وعَنَوْا زوال ملكه لما شاموه، لا سيما من شدّة وطأة ولده أحمد وزوجته وصِهره بُرْدُبك الدوادار. انتهى كلامه.
أقول: ليت شِعري من ذا الذي لم يتّصف بهذه الصفات بعده من السلاطين، وكذا قبله من جنسه حتى ينكر هذا المؤرّخ على ذاك، أعني صاحب الترجمة، وكذا من ذا الذي سلم من هذه الآفات، لكن الأغراض توقع صاحبها فيما أراد.
(١) يعني به المؤرّخ ابن تغري بردي في: النجوم الزاهرة ١٦/ ١٥٨.