لدت في سنة ()(١) عقيب ذلك أو قبله بيسير تأمّر والدها عشرة، ونشأت
في عزّ وسعادة، وتنقّل والدها بعد ولادتها في عدّة ولايات جليلة حتى صار أتابكاً، وكان عقد لها حين بلغت حَدّ الزواج على خيربك من حديد، وهو الذي استولدها، واستولدها ابنة اسمها فاطمة هي الآن زوجة الأمير جانِبك حبيب الأميراخور الثاني، ودامت في عظمة خيربك من حديد إلى أن وقع له معها أنْ حنق يومأ منها فلطمها، وكان بأذنها خُرص من ياقوت أو نحو مثمن سقط من اللطمة على الرخام فانكسر، فحنقت أمّها الخونْد شقراء منه لما بلغها ذلك وشكته للظاهر جقمق فأمره ففارقها، ثم اتصلت بعده بآقبردي الأشرفي واستولدها ابنة اسمها عائشة، وهي بِكر الآن موجودة، ثم حملت منه ثانياً. فاتفق أنْ كانت ليلة زفاف أختها على خيربك البهلوان الماضي ذكره من الأشرفية، وبينا هم في أثناء عمل الزفاف قبل تمامه إذ أخذ خديجة هذه الطَلْق، ثم ولدت وماتت لوقتها، فانقلب الفرح عزاءً، وأُخّرت أختها وهي فرح عن بناء خيربك بها، وعاشت الابنة المولودة وسُمّيت زينب، وهي باقية أيضاً بكر إلى الآن، وأسفت الخَوَند شقراء على خديجة هذه أسفاً وافراً، وكذا والدها، وأُخرجت جنازتها حافلة من أشهر الجنائز، ودُفنت بتربة الظاهر برقودا في يوم الجمعة العشرين من ذي الحجّة، ثم عمل لها المأتم، ودام عمل ذلك إلى يوم الأربعاء خامس عشرين الحجّة، والأتابك جرباش بالتربة، وتأخّر عن طلوع الخدمة في هذا اليوم، وأخذ في الاهتمام لعمل الأسمطة الهائلة في ليلة الجمعة، فأشيع بعض إشاعة أنه إنّما تأخّر ليصبح الأمراء الأشرفية، بل وغيرهم في يوم الخميس فينزلون من الخدمة إليه للتربة ويسلطِنوه ثم يقابلون الظاهر خُشقدم، وبلغ الظاهر ذلك، فبيّت على قبْض من ذكرناه من الأمراء وفعل بهم ذلك، ثم وقع ما تقدّم ذِكره من الركوب والتوجّه إلى جرباش. وقد عرفتَ تلك الكائنة برمّتها.
ويقال: إن الذي أشاع ذلك وخيّل به الظاهر خشقدم كان جانِبك نائب جدّة ليكون ذلك مندوحة لأخذ الأشرفية وإن ذلك لا حقيقة له أصلاً، وهو الظاهر، واللَّه أعلم. ولم يتهنّ الأتابك جرباش بعد هذه الكائنة، وكانت سبباً مفضياً به إلى إخراجه بعد ذلك إلى دمياط معزولًا عن الأتابكية، ولهذا كانت الخَوَند شقراء هذه تقول: إن ابنتها خديجة هذه كانت أول سعد أبيها فإنه تأمّر عشرة حين ولادتها، وكانت آخر سعده، إذ بموتها زال عنه ما كان فيه.