للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورد قبل ذلك بأن شخصًا من الأشراف حضر من القاهرة لاستحضار صاحب تونس، ثم ظهر أنه هذا الرجل الموجود الآن بالقاهرة المسمّى بيوسف المعروف بالقطب العراقي البغدادي نزيل القاهرة.

ثم بلغني كيفية خروجه من القاهرة، وأنه لما بلغه تعظيم الشُرفاء بالمغرب وما هم فيه من الرفعة وجلالة القدر، وبلغه ما هو فيه جُلَيل العراقي الدَّعيّ أنه من الشرفاء من الحُرمة والوجاهة عند صاحب تونس، فأدّاه رأيه إلى السفر إلى تونس، فجمع جمعًا عظيمًا من أوباش العجم السِفلة والأطراف من القلندرية (١) وغيرهم من المُتَكدّين بالقاهرة، وأنه نصب خيمة عظيمة تحت الصور بالرُميلة بإزاء قلعة الجبل، ونشر أَلْوية وأعلامًا، وضرب طبولًا، وجمع عدّة من الجِمال وغيرها (٢) من الدوابّ بضروب من الحِيَل، وكثُر عليه الغوغاء. واتفق أن الظاهر خُشْقَدم جلس في بعض ليالي المواكب بالقصر، فرأى ما أهاله من ذلك الجمع وكثرة اللغط والعياط (٣) وضرْب الطبل، واجتماع السواد الأعظم من الناس، ورأى خيمة كبيرة وإلى جانبها عدّة من الخيام وكثير من الأعلام، فسأل عن ذلك، فأخبر بالقضية، فأمر بالنزول إليه وفَلّ جمعه، وضرْبهم، وقلْع خيامهم، وتخريق أعلامهم، فبدر هو لما بلغه ذلك بالطلوع إلى الظاهر بهيئته من كِبَر عمامته جدًا التي عمّها على قُبَع كبير جدًا، بحيث صارت مهولة، مع إرخاء عَذَبةٍ نازلة مسبولة خلف ظهره من تلك العمامة التي ما شُوهد مثلها في العمائم، وعليه الثياب الواسعة الأكمام بالغالب، المسبولة من وراء ظهره، فاجتمع بالسلطان وأخذ يداخله من باب ساسان، فقال له: أنا رجل غريب شريف من آل بيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، غازي، مجاهد في سبيل اللَّه، وقد جمعت طائفة من الفقراء مطّوّعة، وقصدت أن أتوجّه لبلاد المغرب لجهاد الكفّار، وأنا تحت حرم السلطان وفي جواره، وإليه التجائي واستنادي، فلِمَ هذا التشويش عليّ وما سببه؟ فكفّ الظاهر عنه وانخدع له، وأمره بأن يكون على ما هو عليه، بل وأعطاه مبلغًا، يقال: ثلاثمائة دينار، ثم بعد أيام من ذلك خرج من القاهرة وقد انضمّ إليه واجتمع عليه جماعة من صعاليك المغاربة أيضًا، وكبر جمعه، فتوجّه قاصدًا المغرب على طريق برقة، ولما اجتاز بها ثار به


(١) القلندرية: طائفة وفرقة صوفية تميّز أصحابها بحلق رؤوسهم وشواربهم ولحاهم وحواجبهم. وهي كلمة أعجمية تعني: المحلّقون. ولهم مكان خاص بهم يجتمعون فيه يعرف بالقلندرخانة. (معجم المصطلحات ٣٥٣).
(٢) مكرّرة في الأصل.
(٣) العياط: بالعاميّة المصرية: البكاء. وفي بلاد الشام: الصراخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>