العجم، وغالبهم ممن يُلمز بالرفض، وسار بجموعه من الصليبة شاقًّا القاهرة، وهو وإيّاهم في غَوْش عظيم، وضجّة هائلة، وحركةٍ زائدة، وهم رافعون أصواتهم بقولهم:"يا حسين شاه حسين"، يكرّرون ذلك بصوت عالٍ جدًا وهم ينتحبون، حتى وصلوا المشهد الحسيني، وبلغ القاضي المالكيَّ ذلك، فقبْل أن يصلوا المشهدَ أو بصره بعث إليهم بدّد شملهم وفرّق جمعهم، ثم أحضره لتعزيره، ووبّخه على ذلك، وأراد أن يوقع به فعلًا، فذكر أن يشبُك من مهدي الدوادار الكبير هو الذي أمر بذلك. فأخبر القاضي عن مبالغة تعزيره، على أنه حصل له التعزير، وما كفاه ذلك حتى خرج من عند القاضي، فأعاد جمعه وسار بهم بعد تلك الفعلة خارجًا من باب النصر قاصدًا إلى الحسينية، وكان يشبُك المذكور مقيمًا بها لعمارة ما أنشأه هناك وهو مُجِدٌّ في ذلك مجتهد فيه لأجل حضور السلطان من الحج، ليرى بهجة تلك العمارة، وما عمله من الدِهليز الهائل من عند القبّة إلى عمائر الحسينية، وبينا يشبُك على ما هو عليه من الاستحثاث على العمارة، وإذا بأعلام كثيرة لائحة له على البُعد، مع غوغاء وصياح عظيم، فأرابه ذلك، وسأل عن الخبر، فأُخبر بالقضية، وبما وقع عند المالكي، وما قاله القطب هذا. فحنق يشبُك منه وأَراد أن يوقع به وبمن معه بعد أن بعث إلى المالكي يخبره بأن ما نقله عنه لا حقيقة له، ثم أخذ بعض الناس ممن له كلام مقبول لدى يشبُك يتلطّف بالقضية، وقال ليشبُك: هذا مجنون وهؤلاء فقراء وقد قصدوا، وهذا فأل حَسَن، ونحو ذلك من كلمات يسكّن بها غضب يشبُك حتى سكن الحال.
وللقطب هذا من نحو هذه الحكاية أشياء أُخَر يطول الشرح في ذكرها. وإنّما ذكرت هذه القضايا والكوائن هاهنا وإن كانت وقعت فى أزمنة مختلفة وتواريخ متعدّدة غالبها سيأتي في محلّه إن شاء اللَّه تعالى إن قدّر اللُّه تعالى ذلك لتكون قصة هذا الأحمق منتظمة بعضها بالبعض ويكون ذكرها على هذا الاختصار نموذجًا على حاله، ولتكن قضيّته معلومة لكل أحد وليحترز منه ومن كذبه ومجازفاته، ولا يعتمد على شيء من أفعاله وأقواله فإنه من الغرائب والنودار.
وسنّه نحو السبعين سنة أو أكملها فيما أظن.
وهو قصير جدًّا، سيّئ الأخلاق، ذميم الشكل والهيئة، لكنّه حَسَن الملتقى، سَمح، كريم النفس جدًا، ومهما حصّل له لا يُبقي عليه، وعنده نوادر كثيرة. وأخباره تطول، سامحنا اللَّه تعالى وإيّاه.