للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شيئًا فشيئًا، لأنه كان وعدهم بالإغناء ومنّاهم، وعلى (١) آذانهم بالمواعيد الباطلة، فعاد أكثر [هم] إلى القاهرة وهو غير راضٍ عنه، وخمل ذكره، وبقي في قليل من جماعة الأوباش، فتدارك فارطه، وعاد إلى القاهرة في البحر الملح خوفًا من عرب بَرْقَة، ولم يحصل على طائل ولا نال ما كان في أمله.

وقد ذكر لي من أثق به من أصحابه أنه كان في قصده إثارة فتنة كبيرة عساه يحصل على طائل أو على أمرٍ من الأمور كالمهدي أو نحوه، بل كان يصرّح بذلك لبعض أصحابه. ولما عاد إلى القاهرة نزل بمكان خرِب من القرافة بالقرب من المجراة، وهو مقيم به إلى يومنا هذا. وكان قد تزوّج من مدّة واستولد أولادًا، ثم فارق الزوجة ومات أولاده، وبيني وبينه مواددة بالكلام والسلام، ولم أسأله عن مولده، ولا عن شيء مما يخبرني عنه من أحواله لمعرفتي بكذبه، وكثرة مجازفاته، وكثرة دعواه لأشياء كثيرة حتى العلم، وهو عَرِيّ عن كل فضيلة، عامّي، أي لا يقرأ ولا يكتب، وقد خمل في هذه الأيام، وافتقر جدًّا، حتى إنه عاجز عن قوته، وهو مع ذلك يجمع الأوباش والأطراف من العجم وغيرهم، بالمكان الذي هو به، وعنده فرس هزيل جدًّا، يركبه بما قدّمناه من الهيئة، ويقصد الأعيان والأكابر في رأس كل شهر، ويسألهم فيما يعينه على قوته، وقلّ من يجيبه إلى سؤآله لذهاب الناس، ومنهم من لا ينظر إليه، ومع ذلك فإذا حضر عندهم لا يجلس إلّا في صدور المجالس، ويدخل إلى دُورهم راكبًا، ويرفع نفسه بنفسه. وكان يفعل مثل ذلك مع السلطان أيضًا، فيطلع إليه في رأس كل شهر ويتكلّم بما أحب، فثقل على السلطان، فاتفق أنْ طلع إليه في بعض الشهور، فأمره بأن يقوم فينقض عمامته وينقصها من الشاش إلى مقدار نصفها، وأحضر جَلَبيًّا فأمره أن يقصّ شاربه ويحلق شعرًا كان برأسه، فكشف رأسه في الملأ (٢) العام، وحلق وهو في غاية الحنق من ذلك، وانقطع من يومه ذلك عن الطلوع إلى السلطان. وأظنّ أن السلطان قصد ذلك بما فعله. وله بَهْوَرات عجيبة وتطوّرات غريبة، من جملة ذلك أنه في يوم عاشوراء من محرّم سنة خمسٍ وثمانين بعث إلى غالب زوايا الأعجام يستحثّهم على الخروج بالأعلام، وركوب المشايخ منهم، وإظهار المأتم على الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما فاجتمع إليه جمع وافر (٣) من هذه الطائفة بالأعلام، وركب هو أيضًا بنفسه، ونشر على رأسه أعلامًا وألوية، وجمع جمعًا موفورًا من غوغاء


(١) هكذا. والصواب: "وملأ".
(٢) في الأصل: "الملاء".
(٣) في الأصل: "فاجتمع إليه جمعًا وافرًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>