للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتسلسل الحال، وحصل بواسطة ذلك الضرر ما لا مزيد عليه. ثم أرجف بأن السلطان مُطالبٌ جُلَيل بما استأدّاه في مدّة أربع عشرة (١) سنة، وحُسِب ذلك فكان شيئًا كثيرًا. ثم لم يكن ذلك، لكن قطع ما كان مرتّبًا باسمه، وبقي في غاية الخجل من السلطان ومن أعيان تونس، وحصل عليه من النكد والتشويش ما لا عنه مزيد، بعد أن سأله السلطان في إظهار ما يشهد له بصحة نسبه، فاعتذر بما لا يفيد ولا طائل تحته. ثم بعث إلى القاهرة بولده بعد شهور، فأثبت له بها نَسَبًا اللَّه أعلم بصحّته. يقال إنه بَذل في ذلك مالًا كثيرًا (٢) وتكلّف فيه، ثم لم يشكر أحد القطب على ما فعله على هذه الصفة، بل كان ذلك سببًا لأن يُسأل هو أيضًا عن نسبه، فأجاب بأن معه مُحضر بذلك. فأمر صاحب تونس أحد أعيان دولته محمد بن الكمّاد صاحب الأشغال بتونس، وهو كناظر الخاص بهذه البلاد أو نحو [٥]، أن يحرّر له هذه القضية، وينظر ما بيد القُطب من المستند الشاهد له بالشرف، فأخرج له المحضر وعليه خطوط جماعة من المصريّين، وهو ثابت على العَلَم البُلقيني قاضي القضاة بشهادة جماعة من أهل العراق، فطلب من يشهد له على هذه الخطوط، فعجز عن ذلك، فبعث ابن (٣) الكمّاد إليّ يسألني في الحضور إلى عنده، فتوجّهت إليه ولا شعور لي بهذه القضية وإنّما اطّعلت عليه بأخرة، فأخرج لي المحضر وعليه خط العَلَم البُلقيني، فقال لي: أتعرف هذا خط مَن في بلادكم؟

فقلت: نعم هو خط شيخ الإسلام قاضي القضاة العَلم بن البُلقيني.

فاكتفى بذلك استئناسًا لإعلام السلطان.

ثم أوقفني على القضية برمّتها. ثم بلغ جُليل ذلك فطعن فيه وقال: إنه من بلاد أو من مصر (٤).

ثم آل أمر القطب هذا أن أنزله صاحب تونس هو وجماعته بمكان، ورتّب له شيئًا يقوم به وبجماعته، ما بين لحمٍ ودقيق وشعير لعليق بهائمه، وستة ناصرية فضّية عبارة عن ربع دينار في هذه البلاد، فما أرضاه ذلك. وكان بعث إليه في حين قدومه بخمسين دينارًا عندما جاءه وما أركبه من الفرس.

ثم إن القطب هذا واجه صاحبَ تونس بكلماتٍ فيها الجفاء وقلّة الأدب، فأهمله ولم يؤاخذه ولا التفت إليه، ولا زاده على ما رتّبه له أولًا، وانفلّ عنه جمعه


(١) في الأصل: "أربعة عشر سنة".
(٢) في الأصل: "مال كثير".
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) هكذا وردت العبارة، وهي واضحة تمامًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>