للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بلده، فيقال: إن جُلَيل هذا كان ببلده من أسافل الناس، وليس بشريف، وأن والده كان غاسل الأموات ببغداد، وأنه لما ضاق بولده جُليل هذا الحال خرج من بغداد، وتنقّلت به الأحوال حتى دخل بلاد المغرب، فادّعى الشرف، وراج بسبب هذه الدعوى على أهل المغرب، وجال الكثير من أقطارها وأثرى، وأحضر بأخرة لصاحب تونس، وحصل له منه المال الطائل والرواتب الجليلة، وصار له شهرة وذِكر، بل كان لأحد الأمراء الأكابر بتونس، وبلغ القطب ذلك وهو بالقاهرة فداخَلَه من الحسد من أمره ما لا يُعبّر عنه، واجتهد إلى أن وصل إلى تونس على ما بيّنّاه لك. وبلغ ذلك جُلَيل وعرف مقصده، فأخذ في تلافي هذا الأمر، فتلقّاه كما قلناه قبل أن يجتمع بأحد، وأخذ يتلطّف في شأنه بعد أن أحضر إليه مبلغ ثلاثمائة دينار، على ما قيل هناك، وبلغني.

وقال لي القُطْب: لا بل كانت كيسًا فيه خمسمائة دينار، ولا أصدّقه على ذلك، لكونه كثير الكذب والمجازفة، فيقال إن جُليلٍ هذا قال له: خذ هذه وأنا وأنت غريبان، فاستُرْ عليّ، وأصير أنا وأنت شيئًا واحدًا، ونتعاضد على المقاصد، وأزكّيك عند صاحب تونس مع تعظيم لك، وأقول له: هذا من شرفاء بلدي، فإنني مقرّب إليه، مختصّ به. فاستشاط القطب هذا وأخذ في إساءته على جُليل المذكور والفحش في حقّه، ولكنّه في الملأ العام فإنه ليس بشريف، على أنه هو أيضًا من مقولته، بل وأفحش، فإنه قيل عنه إنه ليس من مسلمي الأصل، فضلًا عن أن يكون شريفًا، بل يقال إنه من المجوس، واللَّه أعلم.

ثم بلغ صاحبَ تونس ذلك فكان سببًا لحطّ قدْر جُليل هذا عنده. ثم اجتمع القطب هذا بصاحب تونس قبل دخولهما إليها، فترحّب به وأركبه فرسًا من خيله بعد أن ألبسه جبّة وقابلارًا، وهو المسمّى بالرأس بتونس، وبالقابال بالأندلس، واستفسره عن حال جليل هذا، فأوضح له أنه ليس بشريف، وتكلّم في حقّه بكلام كثير، وأنه ليس من ذي وجاهة وعراقة، فضلًا عن الشرف، وأوسع المقال في ذلك على عادة طيشه وخفّته وتهوّره في كلامه بالزائد والناقص. ثم أخذ تعريفه نفسه ( … ) (١) وفي تعظيمها، فاستشعر منه صاحب تونس ما قال هو في حق غيره، بل وصرّح جليل بذلك وعكس المسألة، ووقع التعارض الكبير. ثم تنبّه صاحب تونس على السؤال عن أحوال شرفاء بلده، بل بلاده، واستشعر بأن كل من قام يدّعي الشرف يمكنه ذلك. وآل الأمر في ذلك بعد الخَبْط الكبير، وجمْع العلماء إلى أن أبعد من تونس في يوم واحد نحوًا من الأربعين نفرًا كانوا قد عُدّوا من الشرفاء،


(١) كلمة طُمِست بالحِبْر.

<<  <  ج: ص:  >  >>