للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى وقع إلى الأرض، وهرب من كان معه من جماعته إلى جهة الحوش والدُهيشة، وكان غالب الضرب بالسيوف على رأسه، ولما سقط ضُرب بسيف على خاصرته، فنهض قائماً، ثم استند إلى حائط الجامع، ثم سقط في الحال، فسحب البعض منهم برجله إلى طريق المطبخ، ووُجد به بعض الرمق، فأخذ حجرًا هائلاً وحمله بجهد، ثم ألقاه على رأسه فردخه به فمات من وقته ذلك، ثم سلبوه، وألقوا على بدنه لستره حصيراً كان هناك ستروه به، ثم رجعوا إلى باب القلّة ليقتلوا من نُدبوا لقتله غيره أيضاً من خُشداشه، فوافوا تَنَم رصاص المحتسب وقد أقبل في أثر جانِبك فقصدوه، فاستجار بمقدَّم المماليك وبجماعة من أنْياته، فلم يلتفتوا (١) إليه ولا إلى من استجار بهم، ولا أغنى عنه ذلك شيئًا. ثم تناولوه بالضرب، ولما رأى عينها ثار بهم وطال عليهم، واستطال، فخرج من بينهم كالأسد الضاري وهو بغير سلاح، فعدّى (٢) إلى جهة القصر وهم في طلبه، كل ذلك والنجوم ظاهرة، والغَلَس باق، ثم طلبوه فعاد وهم في أثره إلى جهة الجامع، فرأى جانبك وهو مقتول مُلقَى، فجال، وظفر في غضون ذلك بعصا، فدافع بها عن نفسه أن ضربهم بها. وبقي يحطِم عليهم، وهم يُحجمون عنه مع كثرة عَدَدهم وعُدَدهم، وأظهر من الشجاعة في ذلك اليوم ما هو مذكور إلى الآن، ولا زال على ذلك حتى كاد أن ينجو منهم، ثم تكاثروا عليه بالأسلحة، وبدر إنسان منهم بأن ضربه بسيف فأطاح يده، ثم أخذته السيوف حتى ظُنّ أنه مات فتركوه، فأتى إليه جماعة من أنْياته وحملوه وبه بعض رمق، ثم مات بعد قليل. ولما وقع هذا وحصلت حركة بالقلعة بادر نائب القلعة بغلق بابها ولا عِلم عنده بالخبر، وكثُر الهَرَج والمَرَج، وماجت الناس. وهبّ كل من الأمراء والجُند والجامكية إلى جهة من جهات القلعة، وكان السلطان في ذلك لوقت بقاعة الدُهَيشة والفانوس موقد بالشمع بين يديه، بعد أن فرغ من صلاة الصبح، فدخل عليه جانَم دوادار جانبك ولم يعلم ما جرى على أستاذه، ولا عرف بقتله، بل أخبر السلطان أن الجُلبان قد اعترضوا أستاذه ومنعوه من الدخول على السلطان، فسكت السلطان لعلّه بباطن، ثم قال بعد ساعة: ما الخبر؟

فقال له: جانِبك كوهيه: خير يا مولانا السلطان.

وقال مُغُلباي طاز: أيّ خبر؟

وقال بَلَبَاي الأميراخور الكبير: ما لقي اليوم خبرية للهرج الواقع، وما نعلم ما هو.


(١) في الأصل: "فلم يلتفتون".
(٢) في الأصل: "فعد".

<<  <  ج: ص:  >  >>