للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال السلطان: بلى خرج إلى الحوش، ثم قام وهم معه، وخرج إلى الحوش فجلس به على الدكة وذلك بعد طلوع الشمس، وجميع أبواب الحوش والقلعة مغلقة، فجلس السلطان ساعة، ولم يصح عنده شيء (١)، من أمر جانِبك إلى الآن. وبينا هو على ذلك إذ دخل عليه نائب المقدّم، فتقدّم إليه وأسرّ إليه خبر قتل جانبك، فتحقّقه السلطان، ثم جاء غيره فذكر ذلك، فلم يكترث بذلك. ثم ورد خبر قتْل رفيقه تَنَم رصاص أيضاً، فطلب السلطان الخازندار ثم قال له: أخرج ثوباً بَعْلَبكيّاً (٢) لتكفين جانبك وتَنَم، وندب جانبك كوهيه أن يمضي فيأخذهما، ويقف على غسلهما وتجميرهما، ويتولّى أمرهما إلى أن يدفنهما فخرج وفعل ما أُمِر به، ثم صلّى عليهما بباب القلّة، وأُخِذا على نعشين، وحُملا إلى محلّ دفنهما وليس معهما كثيرُ أُناس، بل جميع من كان معهما دون العشرة أنفس، فدُفن جانِبك بتربته قرب القرافة، ودُفن تَنَم رصاص بتربته أيضاً بالقرب من مشهد الليث بن سعد رضي الله عنه. ثم شاع خبرهما بالقاهرة، وكثُر أسف جماعة من الناس على جانِبك، وعظُمت مصيبته على أصحابه وخُشداشيه فقط (٣).

وأمّا قول الجمال بن تغري بردي (٤): وكثُر أسف الناس عليه، فليس كما قال، بل ربّما سُرّوا بموته لظلمه وشدّة وطأته، وكذا قوله: وانطلقت الألسُن بالوقيعة في السلطان، ليس كما قال. نعم إن كان ذلك منه وممن له غرض عند جانبك فصحيح. بل رُبّما حُمد السلطان على ذلك لإزالته الغُمّة عن نفسه وعن المسلمين. وقوله: وخاف أكثر الظاهرية على نفسه وماجت المملكة وكثُر الكلام في الدولة. كل ذلك ممّن له غرض عند جانِبَك.

وأمّا كثرة القال والقيل فهو عادة الناس، لا سيما أهل مصر في مثل هذه الحركات.

وقوله: وطالت المذاكلرة في أمره قطع في كيفية قتلته وفي عدم وفاء السلطان له إلى آخر ما قاله كلام لا طائل تحته ولا نتيجة له، وما عرفت ما فيه من الزبدة وأيّ شيء يهم (٥) المذاكرية حتى يذكر أنهم قالوا قطعاً وصرّحوا بذمّ السلطان، وأنه


(١) في الأصل: "عنده شيئًا".
(٢) في الأصل: "اخرج ثوب بعلبكي".
(٣) خبر قتل جانِبك في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٢٠ - ٣٢٤، والمنهل الصافي ٤/ ٢٣٤ - ٢٤٨ رقم ٨٢٩، والدليل الشافي ١/ ٢٣٩، ٢٤٠ رقم ٨٢٧، ووجيز الكلام ٢/ ٧٥٢، والضوء اللامع ٣/ ٥٧ رقم ٢٣٥، ونيل الأمل ٦/ ١٦٧، ١٦٨ رقم ٢٥٧٢، وبدائع الزهور ٢/ ٤٠٧.
(٤) في النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٢٤.
(٥) في الأصل: "نعم".

<<  <  ج: ص:  >  >>