للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خلوة أنزله بها الشيخ من أيام حياته، فكان الناس بعد موت الهوّاري يتردّدون إلى صاحب الترجمة بالزاوية المذكورة ولا يلتفتون إلى ولد الهوّاري مع كونه صاحب الزاوية وابن (١) مُنشِئها، فصار ابن (٢) الشيخ يغضّ من سيدي إبراهيم هذا في الباطن، وأحسّ هو بذلك، ولم يكن له قصد في قصد الناس إيّاه، ولا فيما يفعل معه، بل ربّما كان التفاته إلى ضدّ ذلك من عدم اعتناء أحدٍ بشأنه وتركه في حاله، فبدا له أن يخرج من الزاوية مراعاة لخاطر ولد شيخه، ليكون هو المقصود بإتيان الناس إليه، وسكن بمكانٍ بالبلد أنزله إيّاه بعضٌ من أهلها، به طبقة صغيرة جداً، فسكنها صاحب الترجمة، وظنّ انقطاع الناس عنه، وخفّة الأمر عليه من خداعهم وقصْدهم إياه، وقصد أن يتفرّغ لنفسه، فصرفت الناس وجوههم إليه بذلك المكان وقصدوه به، وتُركت الزاوية من ورود الناس إليها إلّا من يدخل لزيارة ضريح سيدي محمد الهوّاري، فبعد أن كانت تُقصد ويُقصد صاحب الترجمة بها صار يُقصد بمكانه فقط، ولا يقصد الزاوية إلّا زوّار الشيخ، ويخرجون سريعًا حتى ندم ابن (٣) الشيخ على ما كان منه غاية الندم، وصار يتمنّى لو دام الشيخ سيدي إبراهيم بالزاوية. ولما كثُر ترداد الناس إلى صاحب الترجمة، وضاق عليهم مكانه، وبقي هو في شبه الحصر، قام إنسان من أعيان أهله والعَرض ومُترفيها يقال له محمد بن موسى، وكان محبّاً في صاحب الترجمة، وله ثروة ظاهرة وأملاك وديار وأمكنة، فأشار على الشيخ أن يُنشئ زاوية له، وأعطاه أمكنة كثيرة من أملاكه، وأرضًا بالقرب إلى داره في أحسن أمكنةٍ من البلد، فتمنّع صاحب الترجمة من ذلك، وقال: إن هذا يحتاج إلى مال طائل وتعبٍ كبير، ونحن فقراء ما لنا وللبناء؟ فلم يزل به هو وغيره من أعيان أهل واهران، وألحّوا عليه في ذلك، وجمعوا مبلغاً فيما بينهم له صورة، وأحضروه إليه، فقال: دعوه مع ابن (٤) موسى، ثم شرعوا في العمارة، ووضع زاويته الموجودة الآن بواهران، وقاموا في ذلك بقلوبهم وقوالبهم وهِممهم. وبلغ ذلك صاحب تِلمسان، فأمّده بمالٍ وببعض ما يحاج إليه من وجه، بل وبعث إليه جماعة من مترفين (٥) تلمسان أيضاً بمال، وبقي يزداد الأمر في ذلك وينمو (٦) المال من غير طلب ولا سؤال، ولا تصوَّر يقال، وحُسِب فوُجد شيئًا كثيراً. وكان هذا المال في الحقيقة شيئًا لعمارة واهران، فضلاً عن الزاوية فقط.


(١) في الأصل: "وبن".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) في الأصل: "بن".
(٥) هكذا في الأصل. والصواب: "من مُتْرفي تلمسان".
(٦) في الأصل: "ينموا".

<<  <  ج: ص:  >  >>