للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكان ذلك سبباً لشهرة واهران زيادة عمّا كانت، وللتنويه بها، وقصدها للسُكنَى، ثم أخذوا في العمارة والبنيان، وحكمت زاوية الشيخ معلّقة، وارتفاعها نحو العشرين درجة من السلالم، وبها منار حسن للتأذين عليه، وبنى تحت الزاوية سوقاً جيداً بعدّة من الحوانيت، صار ذلك المكان أعظم أمكنة واهران. وأنشأ بجوارها وأحوازها منذ زمن، وحمّاماً، (وأجرى الماء) (١) إليها إلى البلد، وكانت قليلة الماء جدّاً، بها قناة واحدة بمجرى واحد يستقي منه أهل البلد بالجرار والقلال، مع ازدحام عظيم، وساق في بعض الأحيان، فصارت وافرة المياه ببَرَكَة الشيخ، وأدخل منه للبلد (٢) مجراة جيّدة وللحمّام والميضأة الزاوية، وصارت هذه الزاوية وما بأحوازها من الأبنية من أعظم أخطاط مدينة واهران والخط المعتبر بها، وتوسّط البلد، وبقيت زاوية سيدي محمد الهواري في طرف البلد، وفاقت هذه الزاوية على تلك، وجاءت أنيقة، بديعة الصفات والوضع، وأنشأ جوارها منزلاً حسناً ظريفاً أنيقاً، غريب الهيئة، مرتفعاً بعدّة شبابيك، غريب الوضع، من أحسن المباني. أعدّه لسكنه، وجعل له بابين (٣)، أحدهما يُتَوَصّل به إلى هذه الزاوية، يخرج منه الشيخ إليها في أوقات الصلوات، والآخر خارج الزاوية، وأعدّ له مدفناً بأحواز الزاوية ابتغاء دفنه (٤) فيه بعد موته. ورتّب لهذه الزاوية إماماً ومؤذّناَ وقَوَمة من أصحابه، وجعل بها مكانًا عظيماً إلى جانب مسكنه، به باب يدخل منه إلى سكن الشيخ، جعله سماطاً بين العشاءين، ورتّب أذكاراً تُقرأ به و"الوظيفة المنصورة" التي عملها الشيخ، وأنشأ مكتباً هائلاً تجاه الزاوية تجوزها برسم قراءة جماعة من الأيتام به، وبه أحد أصحابه، وهو إمام الزاوية لإقرائهم، وصار أهل البلد وأعيانهم يبعثون أولادهم أيضاً إلى هذا المكتب للقراءة والتعليم به، وكملت هذه الأبنية كلها في أقرب الأوقات، وعُدّت من كرامات الشيخ، وطار صيت هذه الزاوية، وعُمِّرت المدينة بواسطتها، وأنيرت، وزاد حُسنها، ولَهَج الناس بذلك، لا سيما المدجَّنين من أهل الأندلس الذين هم تحت إيالة النصارى من الفرنج، فهرعوا إلى واهران واختاروا سُكناها، وزاد بها الأبنية والديار والعماير على نحو زيادة النصف مما كانت قبل ذلك، وانحشَتْ بالخلق، وأعمر خارجها بالكروم والأبنية بها، وامتدّت الكروم بها بظاهرها، واتسعت جداً، وكثُر إنْسها. وعظُم بها أمر الشيخ، وصار أكثر أهل البلد من مريديه وتحت نهيه وأمره، لا يخرجون عن إشارته، ويجتمع الكثير منهم من الأعيان بين العشاءين لقراءة "الوظيفة" بزاويته


(١) ما بين القوسين مكرّر.
(٢) في الأصل: "للبد".
(٣) في الأصل: "بابان".
(٤) في الأصل: "ابتغاء دفن".

<<  <  ج: ص:  >  >>