للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالمكان المُعَدّ لها، وهي وظيفة جليلة ذكرتُ سببَ جمعها في بعض رسائلي وذكرثها، ورويتها عن جماعة من أصحابه عن الشيخ. وكذا يجتمعون بها كل جمعة بغرفة لقراءة القصيدة التي أنشأها، فتُقرأ بعد صلاة الجمعة بجمع حافل، ويحضر أطفال المكتب أيضًا لقراءتها، ويُمَدّ لهم سِماط من الخبز والتين اليابس.

وقُصد الشيخ بالزيارة من سائر الجهات، وتسامع به الملوك وبعثوا يلتمسون دعاءه (١)، وهادوه، وتفقّدوه، وقصده صاحب تِلِمسان للزيارة من تِلِمسان بنفسه، ودخل واهران وقصد زاويته، وترجّل مرةً عن فرسه وصعِد إليه بمكان سكنه واجتمع به، وجلس بين يديه بأدب وسكون ووقار، والتمس منه الدعاء، ووقف في يوم قدوم السلطان إليه جماعة من أعيان أهل واهران، وكانوا وقوفاً بين يدي الشيخ والسلطان، فالتفت السلطان إليهم وقال: أنا في بَرَكَة الشيخ، وهذه البلدة في الحقيقة هي للشيخ، إذ هو الذي أعمرها. ثم تكالما، وكان من جملة كلام الشيخ له أن قال: إذا زار الأميرُ الفقيرَ فنِعم الأميرُ ونِعَم الفقيرُ. وإن زار الفقيرُ الأمير فبئس الفقيرُ والأميرُ. فقال السلطان: عسى أن نكون من "نِعم" لا من "بئس". ثم سأله عن حوائجه ليتولّى قضاءها.

فقال له الشيخ: أسأل الله تعالى أن يقضي حوائجي وحوائجك المقرِّبة إليه، ثم دعا له بالصلاح.

فوادعه (٢) السلطان وخرج من عنده، فزادت وجاهة الشيخ وحُرمته، ولا سيما عند العوامّ، وصارت الطلبة تهابه وتخشاه جداً. ولم يزل على ما هو عليه من الدين والخير والصلاح ومع المسلمين حتى بَغَتَه أجَلُه.

وكان له التوجّه التامّ إلى الله تعالى، وبه النفع العام جَمَالياً، سَنِيّاً، بهياً، له الأخلاق الرضيّة والشمائل المَرضيّة، ذا حُسن سمت، وتؤدة زائدة، وأدب وحشمة، ووقار وأُبَّهة، وهيئة حسنة، عليه الأنس والخَفَر، مع وضاءة ونورانية، ونزاهة ولطافة، متجمّلاً في شؤونه (٣) وملبسه، كثير التهجّد والتعبّد، وافر الخير، كثير البِرّ والإحسان إلى الخلق، كريم النفس جداً، سمح الأيادي، فقير في صفات الملوك، بشوش الوجه، طلْق المحيّا، غزير التواضع، كثير الحلم والعلم، فكِه المحاضرة، حلْو المذاكرة، فصيح اللسان، قويّ الجَنان، له شجاعة وإقدام.


(١) في الأصل: "دعاوه".
(٢) هكذا في الأصل. والصواب: "فودّعه".
(٣) في الأصل: "شونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>