للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبالجملة فكان من محاسن الدنيا، فضلاً عن ذلك القطر الذي كان به، وانتفع به جمع جمّ وصلوا به إلى الله تعالى.

وكنت سمعت بمحاسنه وقصدت زيارته ورؤيته، فلم يُقدَّر لي ذلك، فإنه توفي بواهران في هذه السنة، أظنّ في شوال (١). ولقد أنسِيتُ شهر وفاته، رحمه الله تعالى ورضي عنه. وكنت أنا بتونس إذ ذاك، وكان ليوم موته بواهران شأن عظيم في المصاب، وكثُر أسف الناس عليه، وأدركت بواهران حين دخلتُها بعد ذلك عدّة من أصحابه من أهل الخير والدين والصلاح والعلم. ورأيت آثاره الدالّة على عُلوّ مقامه وهمّته، وكان ممن يقرئ العلم لأصحابه، ووقف بزاويته خزانة كتب جليلة في جُمَل من سائر الفنون العلمية.

وكنت أنا لما رجعت من الأندلس إلى واهران معي جملة من الكتب وقفتها بزاويته لما كنت تركت التعلّقات الدنيوية وحصل لي بعضُ توجُّهٍ إلى ذلك الجناب، فيا ليته لو دام، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.

وللشيخ -رحمه الله تعالى- نظْم حسن جيّد، رويت عن بعض أصحابه الكثيرَ منه بحق سماعه له، من إنشاء الشيخ لنفسه، فمن ذلك ما أنشدنيه صاحبنا الشيخ العالم، الصالح، أبو عبد الله ابن القصّار أحد تلامذة الشيخ، وأعزّ أصحابه عليه، قال: أنشدني الشيخ لنفسه:

أما آن ارعواؤك عن شَنار (٢) … كفى بالشيب زجراً عن عُوارِ (٣)

أبَعْدَ الأربعين ترومُ هزْلًا … وهل بعد العشيّة (٤) من عَرارِ

فخلّ حظوظَ نفسك والْهُ عنها … وعن ذِكر المنازل والديارِ

وعَدّ عن الرَباب وعن سعادٍ … وزينب والمعازف والعُقارِ

فما الدنيا وزُخْرُفها بشيء … وما أيّامها إلّا غرارِ (٥)

وليس بعاقلٍ من يصطفيها … أتَشْري الفوز (٦)، ويْحَكَ، بالتَبارِ

فتُبْ (٧) واخلَعْ عِذارك في هَوى من … له دارُ النعيم ودارُ نار


(١) في نيل الإبتهاج ٥٥ توفي تاسع شعبان سنة ٨٦٦.
(٢) في نيل الأمل ٦/ ١٦٦ "عن الساري".
(٣) في نيل الأمل ٦/ ١٦٦ "عواري"، ومثله في نيل الإبتهاج ٥٦.
(٤) في نيل الأمل ٦/ ١٦٦ "بعد الشيبة".
(٥) في المجمع المفنّن ١/ ٢٤٧ "الإعواري"، والمثبت يتفق مع نيل الأمل. وفي نيل الإبتهاج "غرار".
(٦) في المجمع المفنّن: "أيُشْرَى الفوز".
(٧) في المجمع المفنّن: "تب".

<<  <  ج: ص:  >  >>