للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تمّت، وقُتل على الكيفية (١) التي تقدّمت في غلس صبيحة يوم الثلاثاء مستَهَلّ ذي الحجة على ما عرفت ذلك فلا نعيده.

وكان سِنّه يوم قتْله نيّفاً وخمسين (٢) سنة.

وكان قصير القامة، أشقر (٣)، ذا همّة عالية، وحزم وعزم وشجاعة وإقدام، وعقل تامّ، ومعرفة ويقظة وحذْق وفطنة، وتدبير وسياسة. ومن سياسته وتدبيره بقاؤه (٤) على جهته وعدم نكبته بعد موت أستاذه، بل وترقّيه في مظنّة تديّنه، مع وجاهته في طائفته. ومن سياسته قيامه تجاه خشداشيه حين مظنّة زوالهم أيضاً لوجود أعدائهم الكثير عددهم بعد أن آلت دولتهم إلى الزوال فأعادها بتدبيره وحيلته ودهائه ومعرفته، وقيامه في أسباب ذلك بكل ما تصل إليه قدرته. ففي الحقيقة إن كل من وُجد الآن منهم فوجوده في ظلّ تدبير جانِبك هذا، مع مساعدة المقادير.

وكان محبّاً في الظهور والاستعلاء والرياسة، متناهياً في ذلك، له الاقتحام التام على ذلك. وكان ذا كرم نفْسٍ إلى الغاية، يعطي العطايا الوافرة كعطاء من لا يختشي الفقر لسائر أصناف الناس، على تباين الأنواع والأجناس، وكانت أقلّ عطاياه العشرة دنانير لآحاد الفقراء ولمن قصده بغير مناسبة، ووهب الآلاف، بل والدُّور. وأمّا الخيول والأقمشة والأمتعة والأسلحة، فكان يهب منها الشيء الكثير. وكان كثير التجمّل في شؤونه (٥) وأحواله ومساكنه وملابسه، ومأكله وخَدَمه وحشمه، واقتنى من نفائس الأشياء كثيراً وبناء الأملاك الهائلة، والعمائر الطائلة.

وله عدّة اَثار دالة على علوّ همّته. منها داره المعظّمة، وما بجانبها من البستان الذي أوله بداره بالسبع سقايات. وآخره بشاطئ النيل من المُنْشأة. ومنها تربته المتقدّم ذِكرها بالقرافة، وهذا ما حضَرَنا من محاسنه، وأشياء غير ذلك.

فكان كثير المكر والغدر والحِيَل والخداع، مع حدّة في مزاجه وبعض طيش في بعض الأحيان، وعَسَف وعُنْف، وظُلم وجور، وجمْع الأموال من غير وجهها.

ويُحكى عنه أمور ارتكبها، وهو بحدّة غريبة عجيبة في الجرأة والإقدام والجسارة، وتناول ما لا يحلّ له، مع بعض طمع ممن لا يطمع، وفيما ظنّك بغيره. ولو عدّدنا ذلك أو بعضاً منه لطال المجال واتسع المقال. وكان متكبرًا


(١) في الأصل: "الكيفة".
(٢) في الأصل: "وخمسون".
(٣) في الأصل: "اشقرًا".
(٤) في الأصل: "بناية".
(٥) في الأصل: "شونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>