للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن صُرف عن جُدّة، ثم أعيد إليها أيضاً. ولما مات إينال وتسلطن ولده قام جانبك هذا عليه أشدّ القيام على ما عرفت ذلك (. .) (١) في حين ذكرنا ذلك فيما أسلفناه، وتحيّل تحيّلاً (٢)، وفعل أفعالًا يعجز عنها الكثير من أرباب العقول وأهل الحِيَل والتدابير، وقام بسلطنة الأتابك خُشقدم، وقاتل بين يديه، ولا نال قائماً بها حتى وليها خُشقَدم هذا بضروب من حِيَل وتدابير وقعت من جانبك هذا، وأنت على معرفة من ذلك، لما بيّنّاه في محلّه. ويعرف المتأمّل فيها ما كان عليه جانبك هذا من المكر والخداع والحِيَل، ومعرفة الأمور وتدابيرها، وما كان عليه من وفور العقل وجودة الرأي. حتى استعان بأعدائه الأشرفية البَرْسْبائية على مقصده، واستمالهم معه في قيامه بدولة خُشقدم بضروبٍ من تلك الحِيَل التي عرفتها، مع إظهاره النجوم لهم، وأنه معهم حتى بلغ مقصده، ثم كرّ برأيه على زوالهم، وأخذ جانَم نائب الشام، ولم يزل حتى انفرد بطائفته بعد أن خادع واحتال بحِيَل يعجز عنها (. .) (٣) ولو عددناها لطال المجال واتّسع المقال، فإنّما قدّمناه بعض (٤) من كلّ منها، لكنْ من له خبرة ببعض أحوالهم يدري ما أقوله.

ووُلّي الدوادارية الكبرى في أول سلطنة الظاهر خُشقدم عوضاً عن يونس الأقبائي بحكم وفاته، فزادت صحابته، وتوفّرت حُرمته، ونَفَذَت كلمته، وطار صيته في آفاق الممالك القاصية والدانية، وصار مدبّراً للمملكة الظاهر خُشقدم وبيده حلّها وعقدها، وإليه المرجع فيها، وخُشقدم معه كالآلة، وهو المتصرّف بما شاء كيف شاء، وهابته الناس وخدموه، وتردّد الأكابر والأعيان إلى بابه، ووقفت الخاصكية في خدمته (٥) وبين يديه، بل والأمراء، وكان من جملة من كان في خدمته وواقفاً بين يديه يشبُك من مهدي، ومنه اكتسب، وعلى منواله نَسَج حين صارت إليه الدوادارية فيما بعد على ما سيأتي ذلك في محالّه. وفي ترجمته في سنة خمس وثمانين إن شاء الله تعالى. ولم يزل جانبك هذا على ما هو عليه، وهو تولّى في الحقيقة لنفسه حتى نقل على الظاهر خشقدم لمزاحمته له في آرائه وأحكامه، بل ومعارضته له في كثير من ذلك، لكنْ بلباقة ولياقة مع اطلاع خشقدم على ذلك ومعرفته بأنه مثل المجبول عليه، بل ربّما صرّح به لبعض خواصّه على ما عُرف ذلك بعد قتل نائب جُدّة، ولما عمل جانبك هذا تلك الوليمة على ما تقدّم ذِكره، وأشيع عنه ما قدّمناه بادر الظاهر خشقدم هذا بترتيب الحيلة في قتله حتى


(١) كلمة ممسوحة.
(٢) هكذا في الأصل.
(٣) كلمتان ممسوحتان.
(٤) في الأصل: "بعضاً".
(٥) في الأصل: "في خدمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>