للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع من خرج لأَرْزَنْجان، وعاد إلى القاهرة ( … ... ) (١) تسلطن الظاهر جقمق بعد قبضه عليه في حين تدبيره للمملكة وسجنه وامتحنه. ثم نقله من سجن الإسكندرية إلى سجن قلعة الصُبَيْبة، ودام بها مدّة سنين، حتى أضرّ السجن بعينه، ولهذا كان يكحّلها، حتى قيل له: "المكحّل"، بل ربّما عُرف بذلك في تلك البلاد. وقاسى أنواعًا من الذُلّ والهوان، ثم أمر الظاهر بإطلاقه وإخراجه إلى مكة، ثم استقدمه إلى البيت المقدس، ثم قبض عليه وأعاده إلى السجن ثانيًا، ودام إلى سلطنة الأشرف إينال فأطلقه، واستقدمه إلى القاهرة، وصيّره حين القرب من قدومه من جملة مقدّمين (٢) الألوف بها على تقدمة قَراجا، وقد أخرجها عنه لا لذنبٍ صدر منه. ثم نقله من هذه التقدمة إلى نيابة حلب، عِوَضًا عن قانِباي الحمزاوي، لما نُقل إلى نيابة الشام عِوَضًا عن جُلبان بحكم موته، وخرج جانَم هذا إلى حلب على كرهٍ منه، وباشرها مباشرةً بحُرمةٍ وافرة، وعظَمة زائدة، وقمع بها أهل الشرّ والفساد، لا سيما الزُعْر بها، فظّع فيهم حتى خافوا من سطوته ومهابته وحُرمته، ثم نُقل من نيابة حلب إلى نيابة الشام بعد موت قانباي الحمزاوي، على ما عرفته في محلّه في متجدّدات سنة اثنتين (٣) وستين، ورافقه الوالد بها في تلك الأيام على إمرة طبلخاناةٍ بها طرخانًا، وكان يُجلّه ويعظّمه ويتجمّل معه، على أنه كان يُغضي منه بخلاف سائر الأشرفية. وكان السبب في ذلك أنه كان خَطَب المصونة أصيل أخت الخَوَنْد جُلبان أمّ العزيز، فلم يُجَب إلى ذلك، وزُوّجت للوالد عقيب ذلك.

ودام جانَم هذا على نيابة دمشق إلى أن تسلطن المؤيَّد أحمد بن إينال بعد والده، ووقع الكلام بالقاهرة بين الأشرف وغيرهم في إثارة فتنة، وجرى ما جرى ما عرفتَه قريبًا من الاتفاق على سلطنة جانَم هذا و ( … ) (٤) إليه بالحضور، وحضر ولده ليرى حال العسكري في رضاهم عن أبيه، وأحسّ المؤيَّد بذلك، وكتب الملطّفات إلى حاجب دمشق ونائب قلعتها وغيرهما من أمرائها، بأنهم إن قدروا على جانَم فليقبضوا عليه، ولو كان في ذلك موته، وأحسّ هو أيضًا بذلك، فتحرّك لمجيئه إلى القاهرة، لا سيما وقد كاتبه العسكر بذلك، وبينا هو في أثناء ذلك إذ فطن به بدمشق، فرمى عليه من قلعتها بالمدفع لدار السعادة، وكان آخذًا حذره، فخرج منها على حميّة، وقصد العامّة دار السعادة فنهبوها، وأطلقوا فيها النار، وهُتك حريمه، وجرى عليه من ذلك ما لا خير فيه، ولولا تيقّظه لأُخِذ أو قُتل،


(١) كلمتان ممسوحتان.
(٢) الصواب: "مقدَّمي".
(٣) في الأصل: "سنة اثنين".
(٤) كلمة غير واضحة: "والرس".

<<  <  ج: ص:  >  >>