للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكانت كائنة من أفظع (١) الكوائن بدمشق، ولا زال على فوره فارًا من دمشق قاصدًا القاهرة، ومعه تمراز الماضي خبره، وأخذ بذله صورة (٢) في بعث من يمنع وصول خبره إلى القاهرة قبله، حتى يكون هو جرّ نفسه على ما أسلفنا ذلك، وكان في تدبيره تدميره، إذ لو لم يفعل ذلك لربّما كان خرج إليه الكثير من العساكر ولاقوه، وأدخلوه القاهرة سلطانًا، وقاتلوا به المؤيَّد فلم يقدّر ذلك، بل كان من سلطنة الظاهر خُشقدم ما تقدّم خبره، وحضر جانَم عقيب ذلك بأيام، ولو تدارك الأشرفية فارطهم وخرجوا إليه لأمكنهم أن يَقْلعوا خُشقدم من المُلك، لا سيما وهو في بداية الحال لكنْ لم يقدّر ذلك، وقد عرفتَ ما وقع من جانِبك نائب جُدّة من الحِيَل التي كان فيها ضدّ مقاصد الأشرفية، من غير شعورهم بها، وآل الأمر إلى عَود جانَم هذا على نيابة الشام، بعد أن أرضاه الظاهر خُشقدم بكل ما تصل قدرته إليه، على ما عرفت تفاصيل ذلك فيما تقدّم. ولما عاد إلى دمشق عاد بكل من عنده وتفرّس ماَل حاله، فلما دخلها أظهر الإغضاء عن أهلها وغاية العدل والإنصاف الذي ما عنه مزيد، واستمال قلوب الناس إليه بعد نفرتها عنه، ونَفَعَه ذلك فيما بعد حين هربه من دمشق لأنه لم يقم عليه أحد، وفاز بالنجاة، ودام بدمشق بعد دخوله إليها حتى جرى على الأشرفية بالقاهرة ما جرى، ثم عُزل جانَم هذا بتَنَم، وبعث الظاهر لجانَم بجماعة من الخاصكية عليهم تَنَم رصاص للقبض عليه، ولما أحسّ بذلك يوم دخول تَنَم إلى دمشق خرج منها على حميّة، ولحِق بديار بكر، وأنزله حسن عنده، ثم جمع جموعًا وجرّده لحلب فلم ينتج له أمر في تجريده ذلك، وعاد من تلّ باشر لأمورٍ وقعت له يطول ذِكرها قد أشرنا إليها فيما تقدّم. ولما عاد أقام في قلعة الرُها وفي عزمه العَود أيضًا إلى حلب وحصل على الظاهر خشقدم من ذلك غاية الباعث، ولا زال يتلطّف بحسن، ودسّ إليه بدسائس في حق جانَم وحسّن له القبض عليه، فما أفاده ذلك، ودام جانَم حتى اغتاله مملوك (٣) له بتدبير جانِبك التاجر نائب حلب على ما تقدّم وقتله غيلة في ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ربيع الأول.

وقيل: قاتله ومعه إنسان آخر كان متفقًا معه على ذلك.

وكان سنّه يوم مات قريبًا من الثمانين أو بلغها فيما أظنّ.

وكان إنسانًا قصير القامة، منوَّر الشيبة، حسن الشكالة، خيِّرًا،


(١) في الأصل: "افضع".
(٢) هكذا في الأصل.
(٣) في الأصل: "مملوكًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>