للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للقاضي عياض، وغير ذلك. ثم أخذ في الاشتغال بفقر حاله الفقير جدًّا بذكاء مفرط وحذق تام، ودُربة ويقظة، وسُرعة فهم وحِفْظ، فلازم والده واعتنى به فجد بالعلم جدًا، وحبّبه فيه وإليه، فأخذ عنه الكثير وتفقّه به وبغيره. ومن مشايخه غير والده: الكمال الزالجي، والعلاء بن النقيب، والشهاب ابن (١) الحافظ العلائي، وغيره. وأجاز له جماعة منهم: الشمس القُونَوي، والحافظ البزاري، ولم يزل مشتغلًا محصّلًا، مجدًّا، مجتهدًا حتى فضل وشُهر وذُكر، وتميّز وبرع، وصار مُعيدًا في حالة صِغره. ونزل منتهيًا بالمدرسة المعظّمية بالبيت المقدس وله نحو الثلاث عشرة (٢) سنة.

حكى عن نفسه في ذلك قال: كان الشيخ علاء الدين بن الرصاص الحنفي قد سافر من القدس، وغاب في سفره مدّة سنين، ووُلدت، ونشأت في حالة غيبته، ولما عاد كان لي نحو الثلاث عشرة سنة، وكنت بالمعظميّة من منتهى الطلبة بها، فرآني الشيخ -يعني ابن (٣) الرصاص المذكور- فقال للوالد: هذا ولدك الذي وُلد في غيبتي؟

فقال: نعم، وهو منتهى في المدرسة المعظّمية.

فقال له: قد تغيّرتم بعدنا، صبيّ هذا سِنّه يكون منتهيًا بالمعظّمية.

فقال له الوالد: إمتحِنْه. فإن كان أهلًا كان ذلك منك إجازة له، وإلّا جعلته في الطبقة التي تشير إليها.

فقال الشيخ: غلامي الذي هذا غاية الإنصاف.

ثم استعرضني من محفوظاتي "الكنز" و"الحاجبيّة" في النحو فسَرَدتُ عليه منهما ما شاء اللَّه أن أسرُد، فقال: واللَّهِ إنّ حفظه لجيّد، وقرأ (٤) قراءة من يفهم. قال: ثم قال لي: أتعرف تُعرِب شيئًا؟

فأجبت بنعم.

فقال: لو، ما هي؟

فقلت: حرف امتناع لامتناع.

فقال: ولولا؟


(١) في الأصل: "بن".
(٢) في الأصل: "نحو الثلاثة عشر سنة".
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) في الأصل: "وقراء".

<<  <  ج: ص:  >  >>