للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونشأ ببغداد نشأة حسنة، ذكيًّا، يقظًا، فطِنًا، حذِقًا، فهْمًا، فقرأ القرآن العظيم، ثم اشتغل فتفقّه بأبيه التاج قاضي بغداد، وكان من أفاضل العلماء وأعيانهم، وهو الذي جذع قرا يوسف أنفه، وقدم القاهرة بعد العشرين وثمانمائة قاصدًا المؤيّد موليًا عنده على قَرا يوسف المذكور، فرثا المؤيّد لحاله وهَمّ بغزو بغداد.

وترجمته مشهورة مذكورة. معروفة، مسطورة في غاية التواريخ.

وممن أخذ عنه الحُميد هذا ببغداد أيضًا السيد الشريف عبد المجيد البخاري وغيره، وحج مع أبيه في سنة ثماني عشرة (١) وثمانمائة، ثم قدم معه إلى دمشق أيضًا في سنة إحدى وعشرين، ثم قدم القاهرة في أواخر سنة اثنتين (٢) وعشرين. وأخذ بها عن: الشمس بن الدَّيْري وآخرين، منهم العزّ عبد السلام البغدادي، ثم عاد إلى دمشق في سنة أربعٍ وعشرين فقطنها، ولازم بها العلاء البخاري نحو العشر سنين وأخذ عنه كثيرًا في كثير من الفنون العقلية والنقلية والتصوّف، واقتصر على ملازمته. ومن مشايخه أيضًا الشرف قاسم العلائي. ولم يزل مُجِدًّا حتى حصّل وبرع ومهر وشُهر وذُكر، وأفتى ودرّس، وسمع الحديث من جماعة، بل وأسمعه بمكة وغيرها. وصنّف وألّف عدة تصانيف في عدّة فنون، وله عدّة رسائل أيضًا. ووُلّي عدّة تداريس جليلة بدمشق كالخاتونية، والقصّاعية، والعزيزية وغير ذلك. ثم آل به الأمر أن وُلّي القضاء الأكبر بدمشق بعد صرف الحسام الغزّي، ثم صرف ثم أعيد غير ما مرة، وحُبّب إليه منصب القضاء، وعادى الناس بسببه، وصار مُغرَمًا به وقاسى الأهوال، وجرت له أمور قبله وبعده يطول الشرح في ذكرها.

وقد تقدّم ما وقع له مع الشهاب الكوراني ونُبَذٌ (٣) من ما جريات اتفقت له مع آخرين. وولايته القضاء في عدّة مواضع من تاريخنا هذا. ولا زال على ذلك حتى بَغَتَه أجله.

وكان من أهل العلم والفضل والأصالة والعراقة ومن الأعيان، ذا أدب وحشمة وحُسن هيئة وشكالة، إلّا أنه كان يعاب ببعض لجاج وطيش وقيام في كثير من أغراض نفسه، ومحبّته المجادلة، وكثرة المجاورة، ولو بغير طريق، مع التصحيح على ما يجنح إليه، وعدم الرجوع إلى الناس فيما نحا لقوله فيه. وكان كثيرًا ما ينكر على الناس أشياء لا يليق بمثله التكلّم فيها. وكان شهمًا لا يحتمل


(١) في الأصل: "ثمانية عشر".
(٢) في الأصل: "اثنين".
(٣) في الأصل: "ونبذًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>