للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صرف قانِباي الحمزاوي عنها، واستقدامه إلى القاهرة. ولم تُحمد سيرة تَنَم هذا بحلب ورُجم من أهلها. فصرفه الظاهر عنها واستقدمه إلى القاهرة من جملة مقدَّمي الألوف بها. ثم ترقّى إلى أمرة مجلس، ثم نُقل في دولة المنصور عثمان إلى إمرة سلاح عوضًا عن جَرِباش الكريمي لما صرف عنها لعجزه وكِبَر سنّه.

ولما كانت الكائنة التي أدّت إلى خلع المنصور وسلطنة الأتابَك إينال انحاز تَنَم هذا إلى المنصور، فلما غلب وأخذ، ورأى تَنَم الغَلَبة أراد أن يجعل له يدًا عند إينال، فنزل من باب السلسلة للحوقه به، فقبل أن يصل إليه أخذ من الجُند التحاتي، وبُهدل بهدلة كبيرة قد بيّنّاها في محلّها في يوم نهاية الحرب بين المنصور وإينال، وقبض عليه إينال وسجنه بالإسكندرية، ودام بسجنها إلى أن تسلطن خُشداشه الظاهر خُشقدم، فبعث بإطلاقه وأن يتوجّه لثغر دمياط، ثم استقدامه إلى القاهرة، وولّاه نيابة الشام عوضًا عن جانَم، على ما عرفت ذلك في ما تقدّم، ونزل السلطان إلى داره بعد ولايته، ثم توجّه إلى دمشق بأبّهة زائدة، وباشرها، فلم تُحمد سيرته بها لطمعٍ كان عنده، ودام بدمشق إلى أن بغته أجلُه بها.

وكان من قدماء الأمراء، وله وجاهة، لكنْ كانت مساوئه أكثر من محاسنه. على أنه كان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة، لكن الحق يقال.

وأخبرني الوالد بأنه كان يصرّح له فيما بينه بأنه لا بدّ له أن يلي الأمر، معتمدًا في ذلك على أخبار الكثير من الذاكرة ممن يدّعي الصلاح، وكذا أخبار بعض من يُنسب للنجامة ومعرفة الزايرجة وغير ذلك، طمعًا من قائل ذلك ورجمًا بالغيب، لما يتحقق هذا المحبذ بأنه لا يخلو (١) إمّا أن يكون ما قاله على طريق الاتفاق كما وقع لغيره، فيكون ما قاله مندوحةً لكثير من الأغراض، وقد كفى الله من ذلك. وكذب القائل أو لا يكون ذلك فيموت، فلا على قائله من الكذب، إذ لا يمكنه أن يقول لهم كذبتم ما وليتُ السلطنة. وكان قد رسخ ببال تَنَم أنه لا بدّ له من ذلك، حتى إنه لما مر قرب دمشق لم يهتم ولا توهّم موته، ولا عمل بمقتضى ذلك، فضلًا عن أن يظن أنه يموت أو يجزم به، إذ هو جازم أنه لا يموت إلّا بعد السلطنة فأنّى له باعتقادٍ يخالف ذلك؟ فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، نعوذ باللَّه من مثل هذه الأحوال.

وتوفي تَنَم هذا في يوم الأربعاء ثاني عشرين جمادى الأولى.

وعُوّق عن دفنه لأجل جوامك مماليكه (وخدمه) (٢)، فإنهم ثاروا ثورة واحدة


(١) في الأصل: "لا يخلوا".
(٢) عن الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>