للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسراج قارئ "الهداية"، والكمال بن الهُمام، والأمين الأُقصُرائي، وغيرهم. وسمع الحديث بحماة على الشمس الأشقر. وكان من أولاد التجار، ولكنّه تعانى العلم، وجاء منه وتميّز، وشُهر بالفضيلة. وكان هو أيضًا يتبع طريقة التكسّب بالتجارة، فأثرى من ذلك، وحصّل أموالًا جمّة، ووُلّي قضاء بلده، لكنْ بمال بذله في ذلك، ودام على قضائها مدّة مطوّلة، مع كثرة تردّده إلى القاهرة للإتجار، وجعل القضاء وقاية له عن طمع الطامعين فيه. وصحب جماعة من الأعيان والرؤساء، منهم: الجمال ابن (١) كاتب جَكَم، وكان كثير الإهداء لهم وإتحافهم بما يحبّ من الهدايا الطائلة لسعة ماله.

وكان سخيًّا، كريم النفس جدًّا لا قيمة للأموال عنده، مع تحصيله إيّاه بالإتجار لا بشيء هيّن كميراثٍ ونحوه، وهو خلاف غالب التجار، فإن الغالب الإمساك عندهم، فكان هذا من نوادرهم، وكان بينهما عالي الهمّة، قويّ العزيمة.

قدم في بعض قدماته للقاهرة في سنة ست وستين الماضية قبل هذه لأمرٍ لا حاجة لنا بذكره، فقام البدر هذا في حظ نفس وسعي في القضاء بجماعةٍ، منهم: قانَم التاجر، إلى أن وليه بمالٍ كبير بذله فيه نحو العشرة آلاف دينار، واستقرّ فيه في التاريخ المتقدّم ذِكره في (رجب) (٢) سنة سبع وستين المذكورة، وكان قد بقي عليه بعض من ذلك المال فطولب به، وربّما لوزم أخاه بسبب ذلك، فحصل لصاحب الترجمة بذلك قهر وغُبن، لا سيما وقد قصد الاستعلاء على ابن (٣) الشِحنة، فما رضي بما فعل مع أخيه وأنِف من ذلك، فتأثّر له مزاجه، فمرض مرضًا ( … ) (٤) أدَّى إلى الجثماني، ودام مدَّة حتى بَغَته الأجل.

وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، ذا صلاح وتواضع زائد، مع عفّة وحُسن سمت وتؤدة، وبشاشة وبشْر، وطلاقة وجه، وسلامة فطرة، وحُسن عِشْرة وفُكاهة محاضرة ومذاكرة، مع فضيلة تامّة. وكان له اليد في الأصول الفقهية. وأثنى عليه الشرف المناوي في مجلس الظاهر خُشقدم قبل ولايته القضاء وعلى علمه وخيره.

وترجمه الجمال ابن (٥) تغري بردي بترجمة لا تليق به (٦)، بل ما عرف مقامه ولا القريب منه، فجازف فيما قال بما لا يسعه ذلك، وبيد اللَّه عاقبة الأمور.

توفي البدر هذا في يوم الأحد رابع المحرّم بعد ولايته ببعض شهور تزيد على الخمسة.


(١) في الأصل: "بن".
(٢) عن الهامش.
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) كلمة غير مفهومة.
(٥) في الأصل: "بن".
(٦) في النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>