للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النساء: أرزي، وأصيل زوجة الوالد، وغيرهما. وأحضر أيضاً من أقاربها غير من ذكرنا. وحجّت جُلُبّان في سلطنة زوجها حجّة حافلة، ورأت من الجاه والحُرمة ونَفَاذ الكلمة ما لا يُعبّر عنه بوصف.

وماتت بعد أن انتهت إليها رياسة الخَوَندات بمصر في يوم الخميس ثاني شوال سنة تسعٍ وثلاثين وثمانمائة.

وتركت ترِكة هائلة جدّاً، ما بين آلات الخَوَندات من أمتعة وجواهر ويواقيت وفصوص مثمّنة، وغير ذلك من أقمشة وملابس وأثاث، وأشياء أُخَر يطول الشرح في ذكرها. وتركت من الذهب بالنقد العين سبعين ألف دينار على ما قيل. وماتت بعلّة الصرَع. وكان لها جنازة حافلة، ودُفنت بتربة زوجها وأستاذها بالقبّة المُعَدّة لها بالحَوش الذي خلف التربة المذكورة. وترجمتها مشهورة.

ونشأ ولدها هذا في حجر السعادة والعزّ والإدلال، وكان عزيزاً عند أمّه جدّاً، وكذا عند أبيه. ولما وعك في الطاعون الكائن في سنة ثلاثٍ وثلاثين تُصدّق عنه بوزنه فضّة مضروبة. وكان سنّه إذ ذاك فوق الست سنين مع خصب جسمه. ولم يزل ينبت نباتاً حسناً إلى أن ترعرع، فأُقرئ القرآن العظيم، وكان المتولّي لقراءته الشيخ سراج الدين العبّادي، لهذا قيل له: فقيه سيدي. بل ربّما عُرف بذلك. ثم لما بلغ نحو السبع سنين خُتِن، واحتفلت أمّه بشأن ختانه، وكذا والده، وكان مَهَمّاً هائلاً، وخُتن معه جماعة من أولاد الأعيان، ثم أُقرئ شيئاً من الرسائل الفقهية وعُلّم الآداب والأنداب والتعاليم وأنواع الفروسية، ثم صُيّر أميراً كبيراً من مقدَّمين (١) الألوف. وكان يجلس على رأس ميسرة أبيه على عادة أولاد الملوك، وباشر في أيامه تخليق المقياس، وكسْر البحر غير ما مرة، في مواكب جليلة حافلة. وكان له ذِكر وشُهرة وعظمة زائدة في سلطنة أبيه، ولا زال في ذلك العزّ إلى أن تمرّض والده، فعهد إليه بالمُلك في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، بحضور الخليفة والقضاة الأربعة (٢) والأمراء وغيرهم من أهل الحلّ والعقد، والأكابر والأعيان والجُند، وأنفق فيهم الأشرف في ذلك اليوم نفقة أصاب كل إنسان من الجند ثلاثين (٣) ديناراً. ثم كُتب العهد بذلك، وشهد على الأشرف به، وأمضاه الخليفة. ثم جُعل الأتابك جقمق وصيّاً على ولده، ونظّاماً مدبّراً لمملكته، وكتب له بذلك سِجلّاً مفرَداً.


(١) الصواب من "مقدَّمي".
(٢) في الأصل: "القضاة الأربع".
(٣) الصواب: "ثلاثون".

<<  <  ج: ص:  >  >>