للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم لما مات والده الأشرف المذكور بويع له بالسلطنة، وعُقد له المُلك في يوم موته، وذلك بعد عصر نهار السبت ثالث عشر ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين المذكورة، بعد حضور الخليفة، وهو يومئذٍ الإمام المعتضد باللَّه أبو الفتح داود، أمير المؤمنين، وحضر قضاة القضاة والأمراء وغيرهم من أهل الحلّ والعقد. وعُقد له المُلك بباب الستارة، وأُحضِر الشِعار وهو الخلعة السوداء الخليفتي، فأفيض عليه وتعمّم بالعمامة السوداء، وتقفد بالسيف، وأُحضر إليه فَرَس النَوبة بالقماش الذهب والزركشي، فركب من باب الستارة وقد تهيّأ الأمراء والجُند بقماش الموكب السلطاني على العادة، وسار والكلّ مُشاة بين يديه قاصداً القصر الكبير، ثم أُحضرت القبّة والطير فحملها الأتابك جقمق على رأسه، ومشى، والجاويشية تزعق بين يديه، وعملت الشبّابة والدفّ، ولُعب بالغاشية أمام فرسه. ولم يزل في سيره بذلك الموكب الهائل حتى وصل لباب القصر فأُنزل على بابه ودخل إليه، وقد هُيّيء التخت سرير المُلك لجلوسه عليه، فرفع إليه فجلس به وقام الكلّ بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض على عادتهم في ذلك.

ولُقّب بالعزيز، وكُنّي بأبي المحاسن. وهو ثاني سلطان لُقّب بالعزيز بمصر، والأول العزيز عثمان، وهو مشهور، وهذا اللقب باسم يوسف أقعَد وأَنسَب. وهو ثاني سلطان اسمه يوسف أيضاً بمصر، والأول الناصر يوسف بن أيوب أول ملوك الأكراد من بني أيوب المشهور أيضاً، ثم خلع على النظام جقمق وعلى الخليفة. وضربت البشائر بسلطنته. ونزل المنادي لها بشوارع القاهرة وطلب الدعاء له. وهو السلطان الثالث والثلاثون من ملوك التُرك وأولادهم بمصر، وخامس ابن (١) ناس يُسلطن من بعد برقوق. ولما تم أمره في المُلك فرّق النفقة السلطانية على العسكر بحكم العدل والتسوية من غير أن يفرّق بين أحدٍ من الجند، وكانت نفقته على قاعدة الملوك العظام ذوي الهِمَم العليّة القائمين بناموس المُلك والنظام، ولم تفرّق بعده النفقة على ذلك الوجه من غيره، وأخذ من السلاطين ولم يخلع على البعض منهم نفقة أصلاً. ودام العزيز هذا في المُلك ناهياً آمِراً، ظاهراً باطناً، ووُلّي مُلك والده ( … ) (٢) وكانوا عدداً موفوراً، وفيهم الأعيان والأمراء وغيرهم، إلى أن ثار به الأتابك جقمق بسبب تحالفٍ وقع بينه وبين مماليك أبيه، خاف على نفسه، فضيّق عليهم حين حضور قَرقُماس الشعباني (٣) من البلاد الشامية، وقام قَرقُماس


(١) في الأصل: "بن".
(٢) كلمة ممسوحة.
(٣) مات قرقماس الشعباني قتلاً سنة ٨٤٢ هـ. انظر عنه في: السلوك ج ٤ ق ٣/ ١١٠٤، ١١٠٥ =

<<  <  ج: ص:  >  >>