للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشرواني، قال: الذي هو مستفيض ببلادنا في أمر الشيخ الدَمْدَمَكي هذا، أنه كان مُريدًا لبعض أكابر الأولياء، وكان يؤذّن بزاوية شيخه، فاتفق أنْ قال له شيخه يومًا: قُم أذِّنْ، كأنّه ظنّ دخول الوقت. فقال له محمد هذا: دَمْ، ومعناه بالفارسية: ساعة أو لحظة، يعني: أصعد يسيرًا. فقال له الشيخ ثانيًا: قُم أذّدن. فأعاد الشيخ محمد قوله: دَمْ إلى ثالث مرة. فقال: دَدَك، يعني بقي سُوَيعة ديده، فإنّ الكاف علامة الصغير في لغة فارس. ولما رأى الشيخ ذلك من قول محمد هذا، كأنه تأثر منه، كونه لم يُجب أمره، وتغيّر منه، وظهر ذلك للشيخ محمد هذا بالفراسة، فقال لشيخه: اجعل رِجلك على رجلي، وانظر إلى جهة السماء، ففعل ونظر، فوقع بصره على الديك الذي يقال: إنه تحت العرش، باسط جناحيه خافضهما، كالمنتظر الإذن بالأذان. فلما رأى شيخه ذلك هاله الأمر، وعلم بولاية مُريده الشيخ محمد، فقال له: بارك الله فيك ولا بُليت.

قال: وكان الشيخ محمد هذا فيما بَلَغَنا عنه يتعبّد بجبل ومَغَار بينه وبين الزاوية التي لشيخه مقدار ما بين الجامع الطولوني ومصر العتيق (١)، فاتفق أن مات الشيخ محمد هذا، بعد فراغ أجله، بذلك المغار، وهو جالس في حالة ذِكر وقراءة، فكان يُقصَد لأخذه وتجهيزه، فلم يقدر من قَصَد ذلك على ذلك، فتُرك على حاله، وسُجّي بقبره [وهو جالس مستقبل القبلة في] (٢) ذلك المغار كأنه من الأحياء، وجعل على باب المغار ( … ... … ... ) (٣) وغُلّق بابها عليه، وهو يُرَى من داخل الخُرداه للواقف بخارجها، وهو مُسجَّى بالثوب، ولا يُرى شيء (٤) من جسده مكشوفًا. ولا زال على ذلك عدّة سنين من مدّة ( … ... ) (٥) في كل من يغيّر ما سُجّي به بجديد، ويدخل الناس في كل وقت لزيارته، ويرونه من خارج الخركاة، وهو ظاهر بداخلها، غير أنه مسجّى كما قلناه.

قال لي الشيخ عبد الحميد: وقد استُفيض بتلك البلاد أنّ تيمورلنك، لما ورد إلى بلاد شَمَاخي، وخرج السلطان خليل هذا إلى لقائه، أقرّه على مملكته، وزار الشيخ محمد هذا، وزاد على تلك الهيئة، فجمع من حضره حينئذٍ من العلماء، واستفتاهم في أمره، وأنه ميت، ولا يجوز أن يبقى على وجه الأرض من غير غُسْل ولا تكفين ودفْن، وأن ذلك يأثم به كل الناس بأنه كذلك، وأنه لا بدّ من تجهيزه


(١) هكذا في الأصل.
(٢) ما بين الحاصرتين غير واضح في الأصل. وما أثبتناه من الضوء.
(٣) مقدار أربع كلمات مطموسة.
(٤) في الأصل: "شيئًا".
(٥) كلمتان مطموستان.

<<  <  ج: ص:  >  >>