للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ودفنه. فدعا (١) تمُرلنك بمحتسبه، وكان من الأشراف، وأمره أن يتوجّه لمقام الشيخ فيأخذه، ويتولّى تجهيزه، ثم دَفْنه بمكانه من المغار، فأتى المحتسب المذكور، وفتح باب المغار الذي عليه الخركاه، ودخل إلى الشيخ، فأُخذ وحُمل مُسجَّى بثوبه، وعدّى به إلى البرّ الآخر، فإنه كان بين مقام الشيخ والبلدة نهر ماء، ويُتَعدَّى إليه لزيارته، ثم جُعل على سرير، وأراد الغاسل تجريده، وإذا بالجوّ قد أظلم جدًا، ولقيته رياح عاصفة مزعجة، وكثُر البرق والرعد، وتكاثف الظلام الشديد، ونزل ثلج عظيم، وصار من حضر لا يكاد يرى يده لو أقامها، وحيل بينهم وبين الشيخ، واشتغل كل من حضر بنفسه. ثم بعد ساعة عاد الأمر إلى ما كان عليه أوّلًا، ولم يوجد الشيخ على السرير. وجاء الخبر من أهل الغار بأنّ الشيخ بمكانه من الغار على هيئته التي كان عليها، فأُعلِم تيمورلنك بذلك، فتركه وما تعرّض له بعد ذلك، وقال: هذا شأن خارج عمّا نحن فيه، وكفّ (٢) عنه، وزاد اعتقاد الناس في الشيخ زيادة عما كان عليه قبل ذلك. ومات الشريف المحتسب بعد هذه الكائنة بثلاثة أيام. هذا ما حدّثني به الشيخ عبد الحميد.

ثم أُخبرتُ به من جماعة من أهل تلك البلاد، وهذا من غرائب النوادر، والله على كل شيء قادر.

ولْنَرجع إلى صاحب الترجمة، فيقال: إن أصله من ذرّية أنوشُرْوان، وأنهم يتوارثون المُلك بهذه البلاد من زمنه إلى يومنا هذا. ومملكة خليل هذا واسعة كبيرة، ويُسمّى الإقليم باسم أنوشُرْوان، وأسقطوا "أنو" تخفيفًا، وقالوا: "شُرْوان"، وهو بضم الشين المعجمة وسكون الراء. هكذا ضبطه، وتعلّق به أهل فارس، وهم أعرف بلغتهم. ومن العوامّ من يكسِر الشين، ومنهم من يفتحها مع الراء. وبهذا الإقليم مدن كثيرة، منها شَمَاخي، وهي كرسي هذا الإقليم، ومحلّ إقامة السلطان. ومنها مدينة دَرْبَنْد، وباكو، وغير ذلك. والإقليم به زيادة على ثلاثة آلاف كورة، وبه عدّة حصون وقلاع، منها قلعة كُلُسْتان.

وأمّا جُند هذا السلطان وعساكره فكثيرون، نحو العشرين ألف، وله مماليك نحو الألف من الجراكسة وغيرهم يحملون الطيور بين يديه إذا خرج للصيد فقط. وكان خليل هذا مغرمًا بالصيد، وكان له زوجة واحدة، ومائة من السراري، وله ولد من هذه الزوجة، واسمه شروان شاه، وهو الذي مَلَك بعده وهو موجود إلى يومنا هذا، ملك تلك البلاد، يُذكر بالخير كأبيه. وملوك هذا الإقليم كخليل وغيره


(١) في الأصل: "فدعى".
(٢) في الأصل: "ولف".

<<  <  ج: ص:  >  >>