للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيْدًا، ذا شجاعة وقوّة جَنان، وجُرأة وإقدام، ومعرفة بالفروسية والنقّاف (النشاب) (١)، ونحو ذلك. وكان يُلام على كونه بابا، وكُلّم غير مرة في تركه هذه الصناعة، فكان يقول: هذه صناعتي وكسْبي الحلال الطيّب، فلا أتركها وأسعى فيما لا يحلّ لي، وهيهات إن أُعطيت ذلك. وكان لا يتردّد إلى أَحد من بني الدنيا بسبب دنياهم، ولا يزاحم الفقهاء، ولا يُداخلهم فيما هم فيه، مع خيره ودينه، وعبادته، وصلاحه وزهده، وحُسن سمته وتؤدته، وفكاهته، وجودة محاضرته، وكان يكتب كثيرًا لما أن يكون لا شُغل عنده بحانوته.

وكتب بخطّه الكثير من الكتب الكبار وغيرها، ولا زال يكتب إلى أن مات وهو على ذلك، مع رداءة خطّه بأخرة لكِبَره، وكان سريع الكتابة. وله نظم، فمنه ما أنشدنيه لنفسه في شعبان سنة إحدى وستين وثمانمائة مضمّنًا:

ألا ليت شِعري هل أبيتنّ ليلةً … بساحل بحر للرباط فضيلُ

وهل أرِدْن يومًا مياه بِرِنْزِها (٢) … وهل يبدون (٣) لي أبرُجٌ (٤) وظليلُ

وهل أشهدَنْ يومًا قتالًا بمرجها (٥) … إذا شاهدت عيني الدماءَ تسيلُ

وأضرب في أعناق قومٍ كوافرٍ … بصارمٍ هنديّ للرقاب فصيلُ

فإنْ سلّم الرحمن فُزتُ بنصره … وإلّا قتيلٌ في الفلاة جديلُ


(١) كتبها تحت السطر.
(٢) يريد بمياه برنْزها: قناة المياه التي كانت تنقل مياه نهر قاديشا المنحدر من جبال الأرز إلى مدينة طرابلس وتسقي أهلها وبساتينها. وسُمّيت بقناة أو قناطر البرنْس، وهو أحد أمراء طرابلس في فترة حكم الفرنج الصليبيين لها. وقد ذكرها المؤرّخ "ابن حبيب الحلبي" في وصفه لطرابلس، في كتابه "درّة الإسلاك في دولة الأتراك" - مخطوط مصوَّر بدار الكتب المصرية رقم ٦١٧٠ ح. الجزء ٢/ ٣٩١، كما ذكرها شيخ الربوة الدمشقي في كتابه: تحفة الدهر في عجائب البر والبحر - نشره مهرن، ليبزغ ١٩٢٣ - ص ٢٠٧، وقال "ابن عبد الظاهر" في كتابه "الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر"- ص ٣٠٥ إنها قناة رومانية البناء ووصفها بأنها "بناء عظيم لم يُر مثله "، وقد هدمها الظاهر بيبرس لما حاصر طرابلس سنة ٦٦٦ هـ. / ١٢٦٨ م. ليقطع المياه عن الفرنج، وهي قنطرة على وادٍ بين جبلين، يمر عليها الماء من منبعه إليها في ارتفاع نحو من سبعين ذراعًا، وطول هذه القنطرة نحوٌ من مائتي ذراع. انظر: (تاريخ طرابلس ٣/ ٥٠٤ و ٥٠٦).
(٣) مهملة في الأصل.
(٤) إشارة إلى أبراج طرابلس المنتشرة على امتداد شواطئ المدينة وسواحلها، وفي داخل البلد، في عصر المماليك. انظر عنها في كتابنا: تاريخ طرابلس ٢/ ٢٥٩ - ٢٧٩.
(٥) كانت كلمة "المرج" تُطْلق حتى منتصف القرن العشرين على المنطقة العامرة بالبساتين بين طرابلس والميناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>