للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يدّعي أنه مع علمه بكذا وكذا، وأنّ له علمًا أن يقول مثل هذا المقال، اللهمّ إلّا أن يكون به الخبال، فانظر بعين الإنصاف وتجنّب الاعتساف. وعلى تقدير تسليم ما قاله، كيف يدّعي لصاحب مدّة قصيرة لم تظهر له ثمرات في تصرّفاته، بل ونحن نعرف ما كان عليه قبل وصوله إلى ما وصل إليه، بل وآل آمره عن قريب إلى ما آل أن يُنسَب إلى كونه أفضل من أولئك الملوك الأقيال، فنعوذ باللَّه من الضلال" (١).

وبقدر ما امتدح "ابن تغري بردي" السلطان تمُربُغا، ذمّ السلطان الظاهر يلباي، والإثنان لم يلبثا في السلطنة إِلَّا وقتا قصيرًا، فردّ عليه المؤلّف بكلام عنيف، وفيه: "ولما ذكر الجمال بن تغري بردي هذا الأمر وهذه القضية بسبب العجز والتقصير للظاهر يلباي هذا فقال: وما ذاك إِلَّا لعدم تقدّمه وسوء سيرته وعجزه عن تدبير الأمور وبتّ القضايا وتنفيذ الأحكام وأحوال الدولة، وقلّة عقله بأنه كان في القديم لا يُعرف إِلَّا بيلباي تلي أي مجنون، فهذه شهرته قديمًا وحديثًا في أيام شبيبته، فما بالك به وقد شاخ وكبر سنّه، وذُهل عقله، وقَلّ سمعه ونظره. هذا ما قاله، وهو كلام في غاية التخابل والاعتساف وقلّة الأدب والإنصاف، بل في غاية السفالة والغسالة، وعدم معرفة الأحوال والحدس الثاقب، على أنّ قائله كان يدّعي معرفة أحوال الترك على ما هم عليه على ما ينبغي، فليت شِعري، كيف لم يكن تمُربُغا مساو (كذا) لهذا في ذلك، حتى لما ترجمه جعله أفضل من بني أيوب … وما لُقّب [يلباي] بالمجنون إِلَّا لشجاعته وإقدامه وقوله الحقّ وعدم مداهنته، وإلّا فلو كان مجنونًا بالمعنى الذي قاله هذا المؤرّخ لما جازت بيعته بالسلطنة، فعُلم أنّ المراد من تلقيبه بذلك لأجل نوع حدّة كانت في مزاجه وجُرأة وإقدام حتى شُبّه بالمجنون. بل ما قاله هذا المؤرّخ يؤدّي إلى الطعن في أهل الحلّ والعقد من الأئمّة والقضاة والعلماء، بل والأمراء والجند حيث ولّوا عليهم مجنونًا. وبالجملة فذا كلام لا على طريقة الإنصاف، بل الإنصاف خلافه" (٢).

يُذكر أن المؤلّف دافع عن "يلباي "مع أنه هو الذي تسبّب في إخراج والده من القاهرة بمُمالأة مع خُشقدم رغم الصحبة الأكيدة بينهما، ومع ذلك فالحق لا يضيع، كما قال. ويعود المؤلّف فينتقد كلام "ابن تغري بردي" في كلِّ من الأمير "قرقماس الجلب" و"الأمير قراجا" وذلك في شهر رجب من سنة ٨٧٢ هـ. ووصف رأيه فيهما بأنه تخبيط (٣).


(١) الروض الباسم، ٣/ ورقة ١٦٠ أ.
(٢) الروض الباسم، ٣/ ورقة ١٦٠ ب، ١٦١ أ.
(٣) الروض الباسم، ٣/ ورقة ١٦١ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>