المالكي، قاضي قضاة دمشق كان، وكان قد صُرف عن قضاء دمشق، فقدِم إلى القاهرة ليسعى في عَوده كما كان، فأقام بها مدّة، والسلطان مُعرض عنه لا يلتفت إليه، حتى ملّ من إقامته بالقاهرة، فقال للوالد: قصدي أن تستأذن لي السلطان في أن أتوجّه إلى الحج في هذا العام، ثم أتوجّه مع الشامي إلى دمشق، فإن هذا السلطان ما بقي يولّيني، وأنا قد مليت من إقامتي بالقاهرة على غير طائل، وترْك عيالي ودياري.
فقال له الوالد: لقد أُريت في ليلتي هذه الماضية رؤيا غريبة، ورأيتك وأنت بيدك ورقة كاغَد، وكأنّ بها خطوطًا مستوية، وبوسطها نقص في التخطيط، وأنت تقول لي: انظر إلى هذا. فهو يدلّ على زوال خُشَقَدم وجماعته.
فقال الشهاب: هذا أضغاث أحلام.
فأجابه الوالد بقوله: أنا أعلم من الله تعالى ما لا تعلمه من صدق رؤياي، وقد جرّبتُ ذلك غير ما مرة.
قال الوالد: ثم بقيت أنا في خاصّة أتفكّر كيف يكون ذهاب هذا الرجل -يعني خُشقدم-، ولمن يصير الأمر من بعده وكيف يكون حالي بين هؤلاء الطوائف، وهم فِرَق متعدّدة، وأيّ فرقة أتبع أنا منها، وما أعرف من الغالب، وربّما يحصل الضرر، وأخذت في قولي: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، والمستعان به، والاعتماد عليه. وبينا أنا في فكرتي تلك وإذا قاصد من عند الخليفة المستنجد بالله، يسألني في حضوري إليه، فلما اجتمعت بالخليفة، سألني أن أكلّم السلطان في شأنه عساه أن يأذن له بالنزول إلى داره على عادته القديمة، فإنه ملّ من إقامته بالقلعة، وأمر في أن أتلطّف في ذلك بالسلطان ما أمكنني، واجتهد في كاية الاجتهاد، فوعدته بذلك وانصرفت، ثم طلعت إلى السلطان بعد أيام قلائل على عادتي في ذلك، فترحّب بي وأنصف بزيادة على العادة، ثم أخذ يسألني كيف أحوال الناس. ثم قال: ولك مدّة لم تدلّني على خير ولا نصيحة تذخرها عند الله تعالى.
قال الوالد، رحمه الله: فوجدت الفرصة ومناسبة المجلس للكلام في شأن الخليفة، فقلت له: يا مولانا السلطان، إن الخليفة أمير المؤمنين وابن (١) عمّ سيّد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- وإمام المسلمين، وعزّ السلطنة مكتسَب منه قد طالت أيامه في التعويق بالقلعة، وأنتم قد أطلقثم من سجون ثغر الإسكندرية السلاطين وغير ذلك