للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الملوك، فبالأولى أن يكون هذا الإمام القديم الهجرة في منزله، والناس متردّدون إليه على العادة ورسائله مقبولة عندكم وعند الأعيان، ويشاع هذا عنكم في الممالك.

فلما سمع السلطان ذلك منه تأثر له غاية التأثّر، وقال له: هو سألك في مرسل ذلك؟ فقال له: نعم، وقصدت بذلك سَوْق الأجر إليكم، فبعث السلطان إلى الخليفة من قال له: أنت سألت فلان في أن يشفع فيك عند السلطان. فيقال: إن الخليفة استشعر من ذلك مكروهًا، فأجاب بلا، ويقال: إنه أجاب بنعم، وأن السلطان أظهر أن الخليفة ما سأل في ذلك، وما عاد الجواب إلى السلطان بغير زيادة على نظيره، ثم قام ناهضًا على قدميه معرضًا عن الوالد، ودخل إلى الخيام، ثم في كده أخرج ما كان بيد الوالد من الإقطاع بدمشق باسم أولاده، ثم بعث إليه بقاصده يأمره أن يلزم منزله، وهو كناية عن عزْل وكضْب، ويؤكّد عليه بأنه لا يجتمع بأحد، ولا يركب إلى أحد.

قال الوالد: فحصل عندي من ذلك باعث وفكر زائد وغاية تشويش، وتوسّع خوفي من هذا الإنسان، وإذا بالأمير جانبك المحمودي، وكان من أعزّ أصحابي وأحبابي، وقد حضر إليّ في ليلة ما بين العشاءين، وهو متكتّم حضورَه، ثم أخذ يذكر لي عن السلطان بأنه تكلّم بكلام كبير في حقّي لا ينبغي شرحه، وكانه توهّم من طلبي إخراج الخليفة إلى منزله مساء، ولا سيما كان قانِبك هذا يَسير التردّد والتودّد إليّ، فحدّثت السلطان نفسُه أنّ لي غرضٌ في نزول الخليفة إلى داره، لقيام قانِبك أو غيره، هكذا ظهر لما نقله قانِبَك عن كلام السلطان لأتابك العساكر الأمير يَلَباي، لا سيما لما بعث إلى الخليفة، وأجاب بأنه لم يسأل في ذلك، فتأكّد ما توهّمه السلطان بباله، واتّسع خياله، وبذلك اتّسع خيالي أنا، ثم أمرني الأمير قانِبَك بأن أكون على حذر. قال: فأخذ في الفكر، وألْهَمَني الله تعالى أن أكتب قصّة للسلطان أسأله فيها أن يأذن لي بالتّوجّه إلى القدس الشريف أو حَرَم سيّدنا الخليل، أو يأذن لي بالتوجّه إلى طرابلس لأقيم بها بمنزلي الذي أنشأته هناك، وأنقطِع إلى الله تعالى، كون بالبُعد عنه، ينقطع توهّمه عنّي بما توهّم. وبعثت بالقصَّة مع ولدي فخر. وقبل كتاب القلعة خطر ببالي أن أغيّر القصّة إلى سؤالي بأن أتوجّه إلى الحج في هذه السنة في هذه الأيام، فأردفت ولدي بأخيه ليدركه قبل دخوله إلى السلطان، حتى أغيّر القصّة لذلك، وأمرته أن يحثّ في مشيه ويستحثّ أخاه (١) في عَوده قبل اجتماعه بالسلطان، فعاد إليّ وقال: لم أدركه إلّا وقد دخل القلعة وسبقني، ففاتني، فقلت: عساه لا يجتمع بالسلطان ويعود، حتى أغيّر القصّة. وبينا


(١) في الأصل: "اخيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>